القدس.. البوصلة والقضية
الإثنين 11 كانون الأول 2017
فعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووفى بوعده الذي قطعه أثناء الانتخابات الرئاسية، واعترف بالقدس الشريف عاصمة لكيان الاحتلال الاسرائيلي ضارباً بعرض الحائط كل القيم والقوانين وحتى العلاقات والصداقات التي تقيمها أميركا، أو الالتزامات التي قطعتها على نفسها ذات يوم.
والحقيقة أن أميركا كشفت في هذا القرار العدواني عن وجهها القبيح بشكل واضح وفاضح. فهي التي تحمي هذا الكيان الغاصب بقراراتها وسياساتها الاقليمية وفي المحافل الدولية. وهي التي توفّر له الدعم المالي والتسليحي والاعلامي وحتى حق "الفيتو" في مجلس الأمن. وهي التي تمنع أية محاولة للنيل من هذا الكيان حتى ولو كان الأمر مجرد اعتراف "اليونيسكو" بالحق الفلسطيني بالقدس. وهي التي تغطي جرائمه وتمنع محاكمته أمام المحافل والمحاكم الدولية. لذا فإن هذا القرار الأميركي ليس شيئاً جديداً أو غير اعتيادي، إنه من ضمن السياسات الامريكية التي تستهدف المنطقة من أجل تطويعها ونهب خيراتها واستنزاف شعوبها ومقدّراتها. وهذا الكيان وكما يعلم الجميع ليس سوى القاعدة العسكرية المتقدمة لأميركا وللغرب بشكل عام.
أما لماذا هذا القرار الآن بالذات! فلأن الأجواء مهيّأة لتمريره وتهريبه في ظل هذا الانقسام العربي والضعف والصراعات الجانبية التي يتلهى بها البعض، وفي ظل تضارب الأولويات عند بعض الأنظمة والحكومات، حيث تراجعت قضية فلسطين في اهتماماتها وغابت مخاطر "اسرائيل" عن أجندتها، حتى أن رئيس حكومة الاحتلال تباهى في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي بالكشف عن علاقات تربط كيانه بشكل سري مع بعض الأنظمة العربية. إنها اللحظة التاريخية التي وجد فيها ترامب وإدارته أنها مؤاتية للاعلان عن هذا القرار والمضيّ به دونما اعتبار لأي شيء، لادراكهم أن ردة الفعل العربية الرسمية "الحكومية" ستكون عبارة عن استنكارات هدفها تخدير الشارع العربي والاسلامي الشعبي.
لكن العامل الايجابي فيما حصل هو في إيقاظ هذا الشعور العارم عند الشعوب العربية والاسلامية تجاه القضية الفلسطينية. لقد اكتشفنا والعالم كله معنا، أن فلسطين والقضية الفلسطينية، ومظلومية الشعب الفلسطيني ما زالت في وجدان العرب والمسلمين وكل الاحرار. لاحظنا كيف هبّت العواصم والمدن والجامعات العربية التي تحظى بمتنفس ولو بسيط بعيداً عن أجهزة القمع العربية، هبّت متضامنة مع القدس وفلسطين قضية حيّة متجذّرة تتوارثها الأجيال عن بعضها، وصولاً الى استخلاصها من براثن الاحتلال الى فضاءات الحرية.
أما في لبنان، فقد تجلّى الموقف اللبناني بشقّيه الرسمي والشعبي بتضامنه مع القدس ورفضاً لقرار ترامب، فكانت الفعاليات التي امتدت على مساحة الوطن، وشاركت بها كل القوى السياسية والرسمية، وتجلى ذلك أيضاً بالموقف الذي صدر عن المجلس النيابي اللبناني رافضاً القرار الأمريكي ، فضلاً عن المواقف الرسمية والشعبية الأخرى.
كما وأن لبنان شهد قواعد التحرك عندما نظمت القوى الاسلامية، ومن بعدها القوى اليسارية، وقفة تضامن أمام السفارة الأمريكية في بيروت، في مشهد تكاملي تضامناً مع القدس، يؤكد أنها البوصلة الحقيقية التي يجب أن تتجه نحوها كل الأنظار وتوجّه في مسارها كل الطاقات.
المكتب الإعلامي المركزي