من نحن

في مطالع الخمسينات كانت الحركة الإسلامية في عدد من أقطار العالم العربي قد نمت وباتت تشكل تياراً فكرياً وسياسياً واضحاً على الساحة العربية. كانت مؤلفات حسن البنا وسيد قطب ومصطفى السباعي، وما جرى تعريبه ونشره من كتب أبي الأعلى المودودي في باكستان، وإصدارات الإخوان المسلمين كمجلة "الدعوة" و"المسلمون" من مصر و"الشهاب" من سوريا و"الكفاح الإسلامي" من الأردن.. بدأت تشكل تياراً فكرياً وسياسياً إسلامياً في مختلف المناطق اللبنانية. وقد ساعد على بلورة هذا التيار في لبنان لجوء الدكتور مصطفى السباعي (المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا) إلى لبنان عام 1952 خلال فترة حكم العقيد أديب الشيشكلي في سوريا.. حيث استطاع تأصيل الفكر الإسلامي الملتزم لدى صياغة دراسات فكرية وحركية لكل من "جماعة عباد الرحمن" التي تشكلت في بيروت وكان أسسها الأستاذ محمد عمر الداعوق عام 1950، ولدى مجموعة من الشباب بطرابلس كان أبرزهم النائب السابق فتحي يكن.

وقد تأكدت صلات هذا التيار الإسلامي اللبناني بحركة الإخوان المسلمين خلال زيارة المرشد العام للإخوان في مصر (حسن الهضيبي) إلى لبنان عام 1953، وانعقاد المكتب التنفيذي لقادة الإخوان المسلمين في مصيف بحمدون حيث حضره إضافة إلى الهضيبي (مصر) والسباعي (سوريا) والداعوق (لبنان).. كل من الشيخ محمد محمود الصواف (العراق) ومحمد عبد الرحمن خليفة (الأردن) وغيرهم.

في عام 1956 تأسس أول مركز لجماعة عباد الرحمن في طرابلس، وكانت الجماعة في بيروت تنشر فكرها وتوسع نطاق عضويتها دون أن تعتمد مساراً سياسياً محدداً، في حين كان مركز طرابلس يصدر مواقف سياسية من الصراع الداخلي اللبناني خلال فترة حكم الرئيس كميل شمعون ومن القضايا الإقليمية كالموقف من الوحدة العربية ومشروع إيزنهاور وحلف بغداد والصراع العربي الإسرائيلي، واصدرت نشرات غير رسمية كمجلة "الفجر" عام 1957 و"الثائر" عام 1958، وعندما اندلعت أحداث 1958 وما صاحبها من فرز وطني وطائفي كان لجماعة عباد الرحمن بطرابلس موقع سياسي وعسكري واضح، فأنشأت معسكراً للتدريب وأقامت محطة إذاعة "صوت لبنان الحر" كانت هي الوحيدة في الشمال حتى الشهور الأخيرة للأزمة.. بينما اكتفت الجماعة في بيروت بدور اجتماعي إغاثي، مما أدى أوائل الستينات إلى أن يستقل العمل الإسلامي في الشمال عن عباد الرحمن، وأن يبدأ تشكيل جماعة جديدة تلبي تطلعات الحركة الإسلامية بشكل كامل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مركز طرابلس أصدر أول مجلة إسلامية أسبوعية (المجتمع) في 5/1/1959 استمرت في الصدور حتى صيف 1965.

الجماعة الإسلامية

في عام 1964 برزت "الجماعة الإسلامية" بشكل رسمي، وافتتحت مركزها في بيروت، وأصدرت مجلة "الشهاب" في 1 كانون الأول 1966، وكان أول أمين عام للجماعة هو الأستاذ فتحي يكن، إضافة إلى بقية المؤسسين: فايز إيعالي، محمد كريمة، محمد دريعي، وإبراهيم المصري. وأصدرت الجماعة مجموعة من النشرات الدعوية توضح فيها رسالتها، كان أبرزها "الجماعة الإسلامية.. مبادئ وأهداف" جاء فيها: "من مبررات قيام الجماعة الإسلامية جهل المسلمين بالإسلام وبعدهم عنه وتخليهم عن قيادته، وبالتالي ارتماؤهم في أحضان الاتجاهات المادية والمذاهب الوضعية، مما جعل بلادهم ومجتمعاتهم تؤول إلى قيادات غير إسلامية، فكان من نتيجة ذلك تأزم أوضاعهم السياسية وتردي حياتهم الاقتصادية وتكاثر الآفات والانحرافات (...) ثم إن المراقب لما يجري في نطاق العمل الإسلامي يلاحظ أن مآل الجهود الفردية غير المرتبطة بتنظيم حركي – كالتي يبذلها الوعاظ والمرشدون – إلى ضياع (...) أما محاولات الإصلاح الفردي فإنها ستفشل لعجزها عن مواجهة تحديات العصر ومتطلبات المعركة التي يعيشها الإسلام..". وفي أهداف الجماعة جاء التالي:

أولاً: تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس نقية صافية متصلة بالعصر ومشكلاته..

ثانياً: تنظيم الذين استجابوا للدعوة إلى الإسلام وتثقيفهم به وتأهيلهم ليكونوا الطليعة..

ثالثاً: مواجهة تحدي الحضارة الغربية..

رابعاً: السعي إلى بناء مجتمع جديد يكون الإسلام فيه هو الميزان بتصرفات الأفراد..

خامساً: السعي لجمع شمل المذاهب الإسلامية بالرجوع إلى الأصول الإسلامية.

مرحلة التأسيس

من الملاحظ في هذه المرحلة انشغال الجماعة بعملية التأصيل الدعوي إضافة إلى الانتشار الأفقي. ففي بداية السبعينات كانت الجماعة منتشرة في مختلف المناطق الإسلامية (السنّية) اللبنانية، كذلك انشغلت الجماعة ببناء الهيكلية التنظيمية، فقد كان لها مكاتب مركزية تعنى بالإشراف على المكاتب المحلية، وكانت أهم الميادين التي عنيت بها الجماعة:

- قسم الأسر: للتربية والتأهيل.

- قسم نشر الدعوة: للتبليغ والعمل الدعوي.

- قسم الطلاب: للعمل في الثانويات والجامعات.

- قسم الفتوة: للعمل الكشفي والتربية البدنية والمخيمات الصيفية.

لكن انشغال الجماعة بالشأن الدعوي لا يعني انصرافها عن الشأن السياسي، فقد كانت تتابع القضايا السياسية – اللبنانية والعالمية – من خلال توعية عناصرها وعبر وسائل إعلامها، لكنها كانت تكتفي بالموقف السياسي دون الدخول في الممارسة اليومية أو المشاركة في الانتخابات.

عقد السبعينات

في عام 1972 باشرت الجماعة أول تجربة انتخابية نيابية من خلال ترشيح المحامي محمد علي ضناوي في مدينة طرابلس، وكانت الغاية من عملية الترشيح ممارسة اتصال جماهيري واسع بالناس عبر طرح وجهة النظر الإسلامية في الأحداث الجارية، وكان واضحاً لمؤسسات الجماعة أن الترشيح لن يتعدى هذا الإطار إلى التخطيط لعمل سياسي برلماني. واستمر مرشح الجماعة في حملته منفرداً فحصل على 4190 صوتاً، حيث كانت الانتخابات على أساس القضاء.

وفي عام 1975 بدأت الحرب اللبنانية الطويلة، وقد واكبتها الجماعة بتشكيل بنية عسكرية تولت الدفاع عن المناطق الوطنية والإسلامية عبر تنظيم "المجاهدون"، وكان لهذا التنظيم وجود عسكري في كل من طرابلس والشمال، ثم في بيروت، وفي صيدا أواخر عام 1976. وكان للجماعة في الشمال إذاعة "صوت المجاهدون" وتابعت إصدار مجلة "الشهاب" لتواكب بها الأحداث اللبنانية. وبعد انتهاء حرب السنتين سلمت الجماعة مراكزها وأسلحتها الثقيلة في الشمال وشرق صيدا لقوات الردع العربية، كما أغلقت مراكزها العسكرية في بيروت. وتابعت الجماعة تنسيقها الأمني في إطار "المجلس السياسي" والمؤسسات المشابهة التي أفرزتها الحرب في مختلف المناطق اللبنانية.


مؤسسات الجماعة

    تشكلت قناعة لدى الجماعة خلال سنوات الحرب اللبنانية أنه لا بد من إنشاء مؤسسات متخصصة ترعى الأنشطة الإسلامية غير السياسية. وانطلاقاً من هذا فقد أنشأت الجماعة خارج إطارها جمعيات ومؤسسات متخصصة على امتداد الساحة اللبنانية تلبية لحاجات الناس في غياب الدولة وخدماتها، واستكمالاً لمشروع الجماعة الذي يغطي كل جوانب الحياة الإنسانية. وانسجاماً مع هذا التوجه فقد أقامت الجماعة مؤسسات تربوية وتعليمية، وأنشأت معاهد ورياض أطفال، وأخرى طبية واجتماعية عنيت بالخدمات العامة وإغاثة المنكوبين خلال الأزمات، ونشرت عدداً كبيراً من المستوصفات والمراكز الطبية، ورابطة للطلاب المسلمين لها مجلتها وأنشطتها، وجمعية نسائية اجتماعية، ومؤسسة إعلامية، وعدداً من الجمعيات الخيرية في مختلف المناطق اللبنانية.

 

عقد الثمانينات

تميّز هذا العقد بانطلاقة واسعة للحركة الإسلامية، وقد ساهمت ثلاثة أحداث كبيرة في هذه الانطلاقة:

أولها انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقيام الجمهورية عام 1979، والغزو السوفياتي لأفغانستان آخر عام 1979 ونجاح الفصائل الإسلامية الأفغانية في إنهاك قوات الاحتلال مع ما واكب ذلك من حركة استنهاض إسلامية جهادية، وتحوّل الحركة الإسلامية في فلسطين من العمل الدعوي التربوي والاجتماعي، إلى تشكيل "حركة المقاومة الإسلامية - حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، بعد الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين في تبادل الأسرى عام 1985، مما مهّد لتفجير الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987. وهذا ما جعل الحركة الإسلامية - على مستوى عالمي - في موقع متقدّم على التيارات القومية والماركسية التي بدات بالتراجع.

وعندما بدأ الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 كان المشروع السياسي للجماعة الإسلامية قد نضج، وكانت بنيتها السياسية قد استكملت عناصرها، وكان لتماسك القوى الإسلامية اللبنانية الجنوبية في وجه الاحتلال أثره الواضح في إطلاق مشروعها السياسي. ولعل أول صدام مسلح خاضه اثنان من شباب الجماعة في صيدا (الشهيدان سليم حجازي وبلال عزام) مع دورية للعملاء يوم 15 أيلول 1982 قد أطلق مشاعر الناس وأدى إلى سلسلة من المواجهات مع قوات الاحتلال. وتتابعت العمليات لتشكل بعد ذلك – متكاملة مع بقية عمليات المقاومة الإسلامية - الملحمة الجهادية التي أنجزت تحرير معظم الأراضي اللبنانية المحتلة في 25 أيار عام 2000.

وعلى الرغم من أن حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين لم تكن أطلقت بعد، فإن الصراع مع العدوّ الصهيوني بات عنصراً أساساً في أدبيات الجماعة وفكرها السياسي وحركتها على الأرض. كما أن مشاركة عناصر من الجماعة في عمليات المقاومة الإسلامية حتى بعد انسحاب قوات العدوّ من صيدا كانت بارزة، سواء بالتنسيق مع إطار المقاومة الإسلامية في الجنوب أو المحاور الجديدة التي تشكلت بعد الانسحاب الإسرائيلي في منطقة كفرفالوس شرق صيدا، حيث كانت الجماعة  تسيطر على عدد من المواقع والقرى المحررة في مواجهة قوات جيش لبنان الجنوبي.

أما في الإطار السياسي فقد أضحت الجماعة الإسلامية عنصراً أساساً في الشأن اللبناني. وفي هذا الوقت أطلقت مشروعها السياسي الذي اعتبر أن مواجهة العدوّ الصهيوني ستبقى ملازمة للعمل السياسي اللبناني، وأن لبنان بحكم موقعه محكوم بهذه الخصوصية، وأن الحركة الإسلامية ينبغي أن تعتبر ذلك قدرها وواجبها، وأنها تحقق إسلاميتها بقدر ما تحقق في هذا الميدان من أهداف.

الجماعة والتيارات الإسلامية

تعرضت الحركة الإسلامية في العالم العربي لموجات من القمع والتنكيل كان أبرزها في مصر بعد مشاركة جماعة الإخوان المسلمين هناك في حرب فلسطين عام 1948 ومقاومة الاحتلال البريطاني في قناة السويس عام 1951، تعرض الإخوان المسلمون في مصر خلالها لعمليات قاسية من التعذيب والتشريد.. وقد بدأت أوائل السبعينات تبرز تيارات فكرية تدين المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية وتتهمه بالكفر والردة، كان في طليعتها جماعة التكفير والهجرة وما لحقها أو تفرع عنها. وقد بدأت هذه الاتجاهات تتبلور في السجون المصرية نتيجة تأثرها بفهم خاطئ لبعض ما كتبه الشهيد سيد قطب رحمه الله في كتابه "معالم في الطريق" وتفسيره "في ظلال القرآن". وحتى لا يتسرب هذا الفكر في الخفاء إلى أوساط الجماعة فقد شرّعت عام 1972 صفحات مجلتها (الشهاب) لمناقشة الموضوع، حيث عبّر أصحاب وجهات النظر المختلفة عن آرائهم في عدة أعداد من المجلة، وختمت الحوار بدراسة كتبها القاضي الشيخ فيصل مولوي (الأمين العام الحالي للجماعة) تضمنت رؤية الجماعة وموقفها الشرعي في هذا المجال، وهو يقوم على نظرية أننا دعاة ولسنا قضاة، وأن حكم التكفير إذا جاز إطلاقه على بعض الأنظمة المعادية للإسلام مما كان قائماً في ذلك الوقت فإنه لا يطال الأفراد في هذا المجتمع، وقد صوّب الفهم الإسلامي الصحيح لفكر سيد قطب وغيره من مفكّري الحركة الإسلامية. وما زالت الجماعة الإسلامية تعتمد الوسطية في فهمها للإسلام دون تطرف ولا تفريط، التزاماً بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه سلفنا الصالح.

لكن الجماعة تتجنب الدخول في صراعات جانبية مع هذه القوى التي تشعبت وانتشرت في العالم العربي، كما تتجنب الصراع الفكري والمذهبي مع التيارات التي أطرت نفسها تحت عناوين صوفية أو سلفية، وتحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع محتكمة إلى القاعدة التي تقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. وتدعو الجماعة إلى نظرية التكامل في العمل الإسلامي، والتعاون والتنسيق بين كل العاملين على الساحة الإسلامية.

الطابع المذهبي

لا تتحدث الجماعة الإسلامية في أدبياتها عن انتماء سنّي أو شيعي، على الرغم من التزام عناصرها أصول أهل السنّة والجماعة في توجههم الفكري أو ممارسة عباداتهم. وهي تمثل انتماءً إسلامياً جامعاً يتجاوز الخلاف المذهبي سعياً إلى تنمية نقاط الالتقاء بين السنّة والشيعة وهي كثيرة وكبيرة، والى حصر نقاط الخلاف والعمل على قيام فهم متبادل لهذه النقاط بما لا يجعلها تعطل مسارات التعاون والتنسيق في ميادين العمل المختلفة، اجتماعية أو سياسية أو جهادية، على أمل أن تتولى المجامع العلمية العمل على الوصول إلى وحدة إسلامية شاملة، تلغي الخلاف المذهبي أو تضعه في إطاره العلمي الذي لا يؤدي إلى الصراع والتنافر.


في الممارسة السياسية

الإسلام هو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله لعباده على هذه الأرض، وهو يحكم كل جوانب الحياة الإنسانية وينظم شؤون المجتمع في شتى جوانبه، السلوكية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هكذا هو الإسلام وهكذا تفهمه الجماعة. لذلك فلا فاصل بين ما هو سياسي وديني، وهي ترى العمل السياسي عبادة إذا كان يسعى لتحقيق المصلحة العامة وحفظ حقوق الناس ورفع الظلم والدفاع عن المستضعفين. وكما شرع الإسلام للمؤمن في محرابه فقد شرع له أصولاً وضوابط في مجالات الحكم والعمل الاقتصادي والاجتماعي. لذلك فإن المشاركة السياسية للجماعة تنسجم مع فهمها للإسلام، بدءاً بنشر الوعي السياسي أو اعتماد الموقف السياسي وصولاً الى المشاركة المباشرة في الحياة السياسية.

قضيّة الطّائفيّة: تستشعر الجماعة خطورة المأزق الطّائفي الذي يتورّط فيه اللبنانيّون أحياناً، لا سيّما بعض الطّبقة السّياسيّة والمستفيدين من منافع ومكاسب الحكم، انطلاقاً من التّعدّديّة الطّائفيّة السّائدة في البلد. لذلك فقد طرحت الجماعة منذ نشأتها "إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة" من أجل معالجة الاحتقان الطّائفي الذي يتناوبه رجال السّياسة من حين لآخر، وذلك حتّى تكون كفاءة المواطن هي التي تزكّيه لأي منصب وليس انتماءه الطّائفي. والجماعة تحرص على احترام التّعدّديّة الطّائفيّة وعلى حماية خصوصيّات الطّوائف فيما يتعلّق بأحوالها الشّخصيّة ضمن إطار المواطنة المتساوية. وقد نأت بنفسها خلال سجلّها الطّويل - لا سيّما سنوات الحرب اللبنانيّة - عن مزالق الصّراع أو الاقتتال الطّائفي.. كما أنّها في تحالفاتها النّيابيّة أو البلديّة حرصت على التّعاون أو التّحالف مع شخصيّات أو تيّارات مسيحيّة متعدّدة، وقد كانت وفيّة لهذه التّحالفات كما يشهد لها بذلك الجميع.

التعددية: وإذا كان الناس هذه الأيام بدأوا يرفعون شعارات التعددية السياسية والتسليم باختلاف الرؤى في الفكر والعمل، فإن الإسلام منذ بدأ الوحي يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر اختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، والله تعالى يقول )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم). والتعددية – كما تراها الجماعة – تقتضي الاعتراف بالآخر كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر مما يجري على يديه من حق وخير ومصلحة، ذلك أن "الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، ويظلم الإسلام والمسلمين من يصوّرهم جماعة مغلقة وراء ستار يعزلها عن العالم ويحول بينهم وبين الأخذ والعطاء.

العنف: والجماعة تنبذ العنف في ممارساتها، إلا في مواجهة العدوّ المحتل حين يكون الجهاد واجباً شرعياً ووطنياً. أما في ميادين الأداء الدعوي أو السياسي فإن الجماعة تعتمد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التزاماً بقول الله تعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، والحوار الهادئ سبيلاً إلى توفير القناعة بفكرها وخطها السياسي.

المرأة: وترى الجماعة في المرأة نصف المجتمع، وأنها إنسان عاقل رشيد، معنيـّة بالخطاب الإلهي في القرآن والسنّة، وهي محل التكليف الشرعي كشأن الرجل، ومسؤوليتها الشرعية والمدنية والجنائية كاملة مثل الرجل، وذمتها المالية غير منقوصة، وجميع تصرفاتها المالية صحيحة ونافذة دون الحاجة إلى موافقة الزوج أو الأب أو الأخ.. وقوامة الرجل محصورة في مسائل المشاركة الزوجية، وهي قوامة توادّ وتراحم وتشاور في مقابل ما يحمل الزوج من مسؤوليات. ومن حقها ممارسة العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات على كل المستويات ضمن الضوابط الشرعية، انتخاباً وترشحاً.

حقوق الإنسان: ترى الجماعة في الإسلام النموذج الفريد الذي كرّم الإنسان، مرتفعاً بهذا التكريم فوق اختلاف الجنس واللون واللسان، وأنه عصم الدماء والأموال والأعراض وجعلها حراماً، وجعل الالتزام بهذه الحرمات فريضة دينية لا يسقطها عن المسلمين إخلال الآخرين بها )ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى( وإذا كان بعض المسلمين لم يضعوا هذه الفريضة الإسلامية موضعها الصحيح وقصّروا في أدائها للناس فإن ممارسات هؤلاء لا يجوز أن تُحسب على الإسلام أو تُنسب إليه.

وترى الجماعة أن العدوان على الحقوق والحريات تحت أيّ شعار امتهان لإنسانية الإنسان يردّه إلى مقام دون الذي وضعه الله فيه، وتعتبر أنه على العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة إلى المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الإنسان، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي إلى السلام الدولي والاجتماعي، وإلى نظام عالمي عادل وراشد يردّ الظلم والعدوان.