الفول والمكيول
الإثنين 24 كانون الأول 2018
منتصف الأسبوع الماضي ارتفع منسوب التفاؤل بتشكيل الحكومة الى حدوده القصوى، حتى غلب الظن ان الحكومة كان يمكن ان تبصر النور مساء الجمعة أو صباح السبت بعد ما تم التوصل الى حل ما كان يعرف بعقدة تمثيل النواب السنّة الستة، وذلك بعد قبولهم بمبدأ تمثيلهم بشخص من خارجهم على أن يُحسب على حصة رئيس الجمهورية.
عند هذا الاتفاق كانت كل الأمور تسير باتجاه الصحيح لتشكيل الحكومة، حتى أن التفاؤل الحذر جعل رئيس المجلس النيابي يقول: الفول موجود والمكيول موجود. ولم يعد ينقص إلا أن نضع الفول بالمكيول. لكن منطق المحاصصة الذي أطل برأسه من جديد فارضاً نفسه من خلال المطالبة باعادة النظر بتوزيع يؤخرها الى أجل بعيد.
فجأة ظهر أن هذا المنطق بدأ حسابات مصلحية للهيمنة على هذه الوزارة أو تلك، وهو ما كاد يخلط كل الأوراق من جديد، فضلاً عن الخلاف الذي نشأ حول تمثيل "الوزير الملك" للقاء لتشاوري للنواب الستة، أم لرئيس الجمهورية! النواب الستة أرادوه عضواً كامل العضوية في اللقاء التشاوري ورئيس الجمهورية أراده واحداً من فريقه ووزرائه ينفّذ ما يريده الرئيس. وهنا وقعت واقعة انهيار الصيغة الأخيرة لتعود الأمور الى مربع الانتظار والتقوقع.
من الواضح في هذا السياق أن هناك إرادة عند أغلب الاطراف السياسية الفاعلة بعدم تمكين أي فريق منفرد من حيازة الثلث زائداً واحداً في الحكومة، وهو ما ينطبق على فريق يسمّى "الوزير الملك" على حصة الرئيس وأن لا يكون عنده وهنا تكمن المشكلة، ومنها يبدأ الحل حتى يصير الفول بالمكيول.
على صعيد آخر بلغت الأمور في البلد صعوبة بالغة على صعيد الأوضاع المعيشية والاقتصادية , وكذلك بلغت حداً لا يُحتمل من الفساد وتردي الخدمات، وهو ما دفع أعداد من المواطنين الى النزول الى الشارع والتعبير عن غضبها من الحالة التي وصلنا اليها، واحتجاجاً على الظروف والاوضاع الاقتصادية، إلا أن حجم التفاعل مع هذه الحركة شعبياً لم يكن بالمستوى المطلوب، ربما لأن الناس لم تعد تثق بتلك التحركات وإمكانية أن تثمر، أو ربما هو نوع من الخوف والقلق من الفوضى ان تطيح بكل شيء. أو هو ربما يأس من إمكانية إحداث إصلاحات لهذا النظام القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية والمناطقية وغيرها، ولذلك كانت الحركة في الشارع متواضعة على أهميتها وأهمية الصرخة التي أطلقتها.
من الواضح أن الوطن يشهد انهيارات على أكثر من جبهة، وأن الأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وأن الطبقة المتحكمة بمقاليد الأمور تزداد تمسكاً بما هو بأيديها دون اعتبار لمصالح المواطنين، مستغلي مشاعر خوف اللبنانيين من بعضهم.
آن الأوان في هذا البلد أن يخرج الناس من حالة التقوقع التي حبسوا أنفسهم داخلها، وينفتحوا على بعضهم دون خوف أو تصورات مسبقة، فالبلد لكل أبنائه، وتحررهم من قبورهم هو الذي ينقذه وينقذهم معاً .
المكتب الإعلامي المركزي