الحوت: للحرص على السلم الأهلي والتعامل مع مسببات الاستقالة

السبت 18 تشرين الثاني 2017

Depositphotos_3381924_original


شدد النائب عماد الحوت في خطبة الجمعة في مسجد الدعوة الإسلامية في بيروت، على أن عناصر تحقيق أمن أي مجتمع هي الإيمان الذي ينتج الأمان، والتعامل بين أبناء المجتمع على أساس الرحمة، والإنتماء للوطن وحمايته ورعايته، والإعتزاز بالله لا بالبشر، والإلتفاف حول مشروعٍ راشد وليس حول أشخاص، والتمسك بالأمل، والوعي بحجم الفتن والتصدي لها.
وأكد أهمية وضوح الرؤية، وجدية الموقف في التعامل مع أسباب وتداعيات استقالة رئيس الحكومة من خلال:
أولا: العمل على حفظ السلم الأهلي ومنع الزج بشبابنا في مواجهات عبثية أو تحويل سنة لبنان الى نموذج سنة العراق، فنحن أوعى من أن نكون وقود حروب الآخرين، وأكثر تماسكا في وجه الاختراقات إن شاء الله.
ثانيا: الإصرار على حماية موقع الطائفة والتوازنات في البلد وفي هذا حفظ لاستقراره، وهذا لا يكون إلا بالتوقف عن التفرد في القرار والمراهنة على الاشخاص، والذهاب نحو مجلس حكماء يضم مكونات الطائفة بعيدا عن الأنانيات والطموحات الذاتية، والذهاب بعد ذلك مجتمعين للتفاوض مع الآخرين حول رؤية مشتركة للبنان، إذ لم يعد مقبولا التغول على الطائفة وحقوقها أو الإستفراد بأي من مكوناتها.
ثالثا: التأكيد على البعد العربي للبنان وعدم إتاحة المجال لأن يكون لبنان منصة إخلال بالإستقرار العربي أو أن يتحول الى ساحة صراع أو تصفية حسابات كما هو حاصل في سوريا أو اليمن أو العراق.
رابعا: رفض العودة الى منطق التسويات المختلة التوازن أو التسليم بمنطق الغلبة، والإصرار على مشروع الدولة وعدم التسليم لأحد بالسيطرة على قرارها.

نص الخطبة

ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من بات آمناً في سربه ومعافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
مقوماتٌ ثلاث ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهضة أي مجتمع، أمنٌ في الوطن، وأمنٌ صحي واجتماعي، واقتصادي، وهي المقومات التي ينبغي أن يقوم عليها أي مجتمعٍ أو مشروعٍ يُطرح علينا لينال ثقتنا ودعمنا وإلا نكون كمن يبيع نفسه بثمنٍ رخيصٍ ليتسلّق المتسلّقون على ظهره لتحقيق موقعٍ هنا أو مكسبٍ هناك.
فكيف نستطيع أن نتعرّف الى صفات المؤهلين لتحقيق هذه النهضة المأمولة؟
عندما عاد جيش الروم مهزوماً في أنطاكية سأل هرقل أحد الرجال فقال له: لماذا انهزمتم؟ أجابه: لأننا وجدنا أناساً يصومون النهار ويقومون الليل، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويتناصفون فيما بينهم.
ثم قال: أما نحن فإننا نشرب الخمر، ونزني، وننقض العهد، ونظلم ونفسد في الأرض، لأننا نفعل هذا هُزمنا ولأنهم فعلوا ذلك هَزموا.
أيها الاخوة الأحباب، إن أردنا الوصول لنعمة الأمن التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم نحتاج الى خطواتٍ أساسية أذكر منها:
الأمر الأول: الإيمان ايماناً يفرز أماناً،
والإيمان ليست كلماتٍ تقال، بل حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء وجهدٍ يحتاج الى صبر، هو إيمانٌ ينتج أماناً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم).
فهل يشكل كل واحدٍ منا أماناً لمن حوله، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، أم أن علاقتنا فيما بيننا قائمة على الخوف وعدم الثقة والاضطراب، وإذا كنا نريد أن ينعم وطننا بالأمن والإستقرار، فلا بد من التفكير بالوسائل التي تمنع أن نكون وقود حروب الآخرين.

الأمر الثاني: التعامل فيما بيننا على أساسٍ من الرحمة،
فالنبي صلى الله عليه وسلم وصفه ربه بالرحمة المهداة، ووصف هو حال الراحمين فقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
فنحن أمة الرحمة وأتباع الرحمة المهداة وبالتالي خلقنا للرحمة مع جميع خلق الله إلا على من اعتدى.
الأمر الثالث الشعور بالانتماء للوطن وواجبنا نحوه بالحماية والرعاية،
حمايته من كل مكروه أو اعتداء، ورعايته ليكون وطننا راقياً في قيمه، وفي علاقات أبنائه بعضهم ببعض، وفي اقتصاده، وفي كل شيء. وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جبل أحد: أحد يحبنا ونحبه، فهل قال أحدنا لنفسه وطني يحبني وأحبه.
الأمر الرابع الشعور بالعزة،
وليست العزة لأحدٍ إلا لمن يعتز بالعزيز المطلق (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)، فكفانا اعتزازاً بصاحب سلطان أو صاحب مال أو صاحب جاه، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيئ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
الأمر الخامس: الالتفاف حول مشروعٍ راشد وليس حول أشخاص
مشروعٍ يتمثل القرآن الكريم منهجاً، وشخصيةً النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً،
فلقد كان جيش الفتح تجمع بينه عقيدةٌ واحدةٌ يضحي الجميع من أجلها، ويتعاون في سبيلها، بينما جيش قريشٍ كان قائماً على المصالح والمغانم، فانظروا لمن كانت الغلبة، لذلك أيها الأخ الحبيب، أن تتبع حزباً لا مبادئ واضحةً له، أو زعيماً لا يملك رؤيةً جامعة، لا يؤمّن لك النصر، بل يجعلك تدفع ثمن صراعات المصالح والمكاسب.
الأمر السادس: التمسّك بالأمل بالله عز وجل
فلقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في مكة ثلاثة عشر عاماً، وخرج منها مهاجراً ومطارداً، وظل بعد ذلك يجاهد ويكابد أعواماً في المدينة، وكل المؤشرات المالدية كانت في غير صالح المسلمين، ولكن الله فتح على رسوله صلى الله عليه وسلم القلوب والعقول قبل أن يفتح البلاد والحصون.
نحن اليوم نحتاج أن نزيل الوهن الذي سرى في النفوس، واليأس الذي تسلل الى القلوب، واتعظام قوة الخلق ونسيان قوة الخالق (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلَوا من قبلكم مسّتهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقولَ الرسولُ والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنَّ نصرُ الله قريب).
الأمر السابع: الوعي بحجم الفتن والوقوف في وجهها
فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن". وعلّمنا عليه الصلاة والسلام كيف لا نكون سلبيين تجاهه الفتنة بل أن نعمل ونجتهد لوأدها، فتأملوا معي هذه المشهد لفتنةٍ نائمةٍ، وكيف جال شاس بن قيسٍ اليهودي على أهل المدينة من الأوس والخزرج يذكّرهم بما كان منهم من قتالٍ قديم، حتى وقفوا يتقاتلون من جديد! فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكّرهم بالله، فعرف القوم أنها نزغةٌ من الشيطان وكيدٌ من عدوّهم، فألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا.
أيها الاخوة المؤمنون،
هي خطواتٌ على طريق نهضة مجتمعنا وتحصينه، إيمانٌ ينتج الأمان، وتعاملٌ فيما بيننا على أساس الرحمة، وإنتماءٌ للوطن وحمايته ورعايته، وشعورٌ بالعزة بالله لا بالبشر، وإلتفافٌ حول مشروعٍ راشد وليس حول أشخاص، وتمسكٌ بالأمل بالله، وأخيراً وعيٌ بحجم الفتن والتصدي لها،

 أيها الإخوة المؤمنون
لقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نحافظ على مجتمعنا في الظروف الصعبة والفتن فقال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة فصار بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، وكان الذين في اسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا نخرق في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً وإن أخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا".
وما أشبه لبنان اليوم بهذا المثل النبوي، فسفينة الوطن تواجه الأمواج وتقلّبات الأجواء فيما حولها ومن داخلها، فلقد اقتسم أهل السفينة الأمكنة، وأصبح الناس قسمين، قسمٌ يدعو الى بناء المجتمع، وقسمٌ ينظر من خلال مصلحته الضيقة أو مصلحة محورٍ ينتمي اليه دون مراعاةٍ للمصلحة العامة.
وهكذا حالنا اليوم، ولا بد لنا من وضوحٍ في الرؤية، وجديةٍ في الموقف أمام من يعقّدون الأمور ويبثّون الفتن المكشوف منها والمستتر، لهذا كله كان لا بد من الموقف الواضح من تداعيات استقالة رئيس الحكومة وظروفها:
أولاً: العمل على حفظ السلم الأهلي ومنع الزج بشبابنا في مواجهاتٍ عبثية أو تحويل سنة لبنان الى نموذج سنة العراق، فنحن أوعى من أن نكون وقود حروب الآخرين، وأكثر تماسكاً في وجه الاختراقات إن شاء الله.
ثانياً: الإصرار على حماية موقع الطائفة والتوازنات في البلد وفي هذا حفظٌ لاستقراره، وهذا لا يكون إلا بالتوقف عن التفرّد في القرار والمراهنة على الاشخاص، والذهاب نحو مجلس حكماء يضم مكونات الطائفة بعيداً عن الأنانيات والطموحات الذاتية، والذهاب بعد ذلك مجتمعين للتفاوض مع الآخرين حول رؤيةٍ مشتركة للبنان، إذ لم يعد مقبولاً التغوّل على الطائفة وحقوقها أو الإستفراد بأيٍ من مكوناتها.
ثالثاً: التأكيد على البعد العربي للبنان وعدم إتاحة المجال لأن يكون لبنان منصّة إخلالٍ بالإستقرار العربي أو أن يتحوّل الى ساحة صراع أو تصفية حسابات كما هو حاصل في سوريا أو اليمن أو العراق.
رابعاً: رفض العودة الى منطق التسويات المختلّة التوازن أو التسليم بمنطق الغلبة، والإصرار على مشروع الدولة وعدم التسليم لأحد بالسيطرة على قرارها.