وداعا " يا طبيب طرابلس

الخميس 13 تموز 2017

Depositphotos_3381924_original

 

 عندما تودع طرابلس ، إبنها و نائبها و طبيبها ، الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي ، سليل الأرومة الطيبة ، إنما تودع مرحلة تاريخية من تاريخها ، وتطوي صفحة من الزمن الجميل ، و نسدل الستارة على حقبة مليئة بالاحداث والمواقف والحكايات والصور .

كثيرون من الجيل الحالي ، لا يعرفون عبد المجيد الرافعي ، خارج إطار الالتزام الحزبي والسياسي الذي عاشه ، وعاش له ، فقلما ارتبط رجل بمدينته ، كما ارتبط عبدالمجيد الرافعي بطرابلس فأحبها و أحبته .

هو ابن الشيخ محمد الطيب الرافعي ، رفيق جدي لوالدتي ( المرحوم بديع الناغي ) ، شريكه في العمل في بستان الليمون على طريق الميناء ، و في جنينة التين ، قرب ثانوية الحدادين الآن ، في طلعة الرفاعية كان بيت جدي و في نهاية الطلعة كان بيت الطيب الرافعي .

كانت علاقة ود و إحترام و محبة ، كبرت بين العائلتين من الاجداد الى الابناء وصولا " الى الاحفاد ، و بحكم هذه العلاقة الحميمة ، أرضعت جدتي ( وهيبة بزال ) الصغير عبدالمجيد الرافعي من حليبها مع والدتي ، فكان شقيقها بالرضاعة ، وكان خالي الحبيب بين أخوالي الأحبة .

لكل من اسمه نصيب ، طيب وطبيب ، في عيادته القديمة في شارع الراهبات ، يستقبل كل المرضى في كل الاوقات و يزورهم في البيوت ، دون موعد ، و دون مقابل ، طبيب الفقراء هذا ، ذاع صيته ، يداوي ليل نهار يوم كان الأطباء في طرابلس يعدون على الاصابع .

سياسي ملتزم ، اختلفت معه ام وافقته ، لا يسعك الا ان تحترمه ، حزب عبدالمجيد الرافعي ، كان أوسع انتشارا " من حزب البعث ، و كذلك مؤيديه و محبيه .

وقف الناس معه و أيدوه بوجه المكتب الثاني ، والشهابية التي كانت تقف مع الرئيس الشهيد رشيد كرامي .

برغم تدخل أجهزة المخابرات ، التي كانت تفسد كل شيء ، إلا ان الحياة السياسية في المدينة كان لها طعم آخر ، كان فيها الكثير من الإلتزام والقيم والمواقف الثابتة ، لم تفسدها سياسة البترودولار .

في ثورة 1985 ، ضد حكم كميل شمعون كانت طرابلس عاصمة الثورة ، حيث انخرطت كل قواها في معركة الدفاع عن عروبة لبنان و استقلاله و رفض حلف بغداد و سياسة الإنكليز في المنطقة .

كان لا بد من سلاح للمواجهة ، وكانت ( سوريا الوحدة ) هي المصدر وكان الطريق اليها وعرا " والنقل على البغال ، من أبي سمراء الى مجدليا و زغرتا آل فرنجية و آل معوض ، ضد آل دويهي ، الذين كانوا الى جانب شمعون الى الضنية الثائرة الى اعلى السفيرة حيث كان بيتنا ، محطة الثوار في طريق الذهاب والإياب الى اعالي عكار وصولا " الى بلدة حاويك السورية على الحدود ، حيث يجلب السلاح بنادق F.M موديل 1936 و رشاشات و ذخائر .

كان والدي واحدا " من الثوار ، يحمل السلاح على ظهر دابته ، مع قافلة الثوار ، مرة يذهب مع رفاق عبدالمجيد كونه القريب و الصديق ، و مرة مع جماعة الرئيس الشهيد ، حيث كان خال والدتي المرحوم الحاج حسن بزال هو مسؤول الشباب عند الرئيس كرامي .

كان بيتنا محطة الإستراحة والتزود بالطعام ، حيث تحكي والدتي انها كانت ابنة المدينة ، التي علمتها نساء قريتنا السفيرة - ان تخبز شوالا " من الطحين دفعة واحدة ، لإطعام الضيوف ، فكان يجتمع في بيتنا ، البعثي - والكرامي - و الإخواني ، فالثورة هي الثورة . والخلاف مؤجل .

وهناك تعرفنا الى اسماء الثوار ، حسن بزال - جلال نشوقي - وأبو وديع و غيرهم الكثير .

في انتخابات 1972

كانت فرصة تولي وزارة الداخلية من قبل الرئيس الراحل سليمان فرنجية و هو على خلاف مع المكتب الثاني ، مما يضمن نزاهة الإنتخابات ، ترشح الدكتور عبدالمجيد و رشحت الجماعة الدكتور محمد علي ضناوي ، فكانت عيننا على الضناوي و قلبنا على الرافعي ، و حصل الاختراق الكبير 17517 صوتا " للرافعي ، اولا " في طرابلس ، يومها حبست طرابلس انفاسها ، و تأخر إعلان النتائج خمسة أيام ، و خاف الناس و انفجروا مظاهرات شعبية فرحة ، تهتف ، لا تقولوا " شندي بندي فختنا ليستة الأفندي " .

يومها اذكر ان الصديق غازي الأدهمي أحضر سيارة ( فولز ) مملوءة بالطرابيش الورقية الحمراء فرحا " بالنتيجة ، فلبست طربوشا " ، وكنت أضع على صدري شعار ( سيف الإسلام الضاوي محمد علي ضناوي ) .

ستبكيك طرابلس ، يا حبيبها ، و طبيبها ، أنت أنشودة حب الفقراء ، أيها الطيب ابن الطيب ، سيبكيك جيراننا ، حيث كنا نسكن في الحدادين ، ( جبل النار ) و انت تستقبل المهنئين بفوزك نائبا " ، حيث استدعاك أحدهم لمعاينة مريض في ( عقبة قبر الزيني ) فاتصل بك و أتيت ماشيا " ، تحمل حقيبتك الجلدية السوداء ، كنت من طراز آخر ، أحببت شعبك و أحبك ، بادلك حبا " بحب ، فالخلق كلهم عيال الله و أحبهم اليه أنفعهم لعياله .

رحمك الله رحمة واسعة ، و غفر الله لنا و لك ، و إنا لله و إنا إليه راجعون .

النائب السابق أسعد هرموش
رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان