كلمة النائب عماد الحوت كاملة في جلسة نقاش البيان الوزاري
الأربعاء 28 كانون الأول 2016
قال النائب الحوت في الجولة الثانية من مناقشة البيان الوزاري: "أصارحكم أنني ترددت كثيرا قبل طلب الكلام، لأن الواقع السياسي الحالي والظرف الذي تألفت به ومن أجله هذه الحكومة تجعل المناقشة غير ذات موضوع، ولكنني تذكرت مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم"، فقررت أن أشارك في لائحة المتكلمين لأؤكد أنني وأغلب الشعب اللبناني مصرون على متابعة الحكومة وتقييم أدائها، إن لم يكن من خلال مجلس النواب نظرا لوجود أغلب مكوناته فيها، فمن خلال رقابة الرأي العام وهي أقوى وأفعل".
أضاف: "إننا نقف اليوم أمام الشعب اللبناني، للناقش البيان الوزاري لحكومة طالبنا جميعا بالاسراع في تشكيلها لأننا ندرك أن الفراغ هو عدو الدولة الأول، وتمنينا لو أن النقاش تركز أثناء هذا التشكيل على عناصر بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز قرارها السيادي، لا على الاعداد وتسجيل النقاط والحديث عن وزارات خدماتية وأخرى غير ذلك، وأصارحكم القول أن أكثر اللبنانيين قد خاب ظنهم في هذا المجال، وأتمنى أن يغير الأداء القادم هذا الانطباع".
وتابع: "فهل نحن اليوم ننظم خلافاتنا من خلال هذه الحكومة داخل المؤسسات الدستورية، أم أننا ننتظر ما سيحدث في المنطقة للاحتكام الى نتائجه، فنعيد فرز أنفسنا على قاعدة "غالب ومغلوب"، وفقا لما ستفضي اليه صراعات المنطقة ومفاوضاتها. إن مكونات لبنان الطائفية المتنوعة هي مصدر غنى له في إطار النظام الديمقراطي الذي يؤمن تداول السلطات والتناوب عليها في إطار دستور الطائف، وهي مصيبته الكبرى إن خرجت عن هذا النظام. لقد حول بعضنا هذا التنوع العظيم الى نقمة بدل أن يكون نعمة، وبات لكل واحد منا برنامجه وأجندته السياسية التي يحاول فرضها على الآخرين. نموذجنا الذي ندعو اليه هو نموذج الدولة التي يشعر فيها المواطن، كل مواطن، إنها الحضن الدافىء الذي لا يميز بين من يلجأ اليه من أبناء الوطن، دولة اقتصادها قوي وجيشها قوي، دولة يعيش أبنائها ثقافة الحياة والبناء ولكنهم في الوقت نفسه لا يهابون التضحية بالنفس دفاعا عن أرض الوطن في وجه العدو الصهيوني وليس خدمة لمحاور اقليمية في مواجهة الشعوب. ولطالما نادينا وننادي بأن لبنان قائم بجميع مكوناته، وأن أي مكون من هذه المكونات لا يمكن الاستغناء عنه أو تهميشه أو عزله، وكل المحاولات في هذا الاطار انتجت أزمات وحروب أهلية ندعو الله أن لا تتكرر، وأن الاجابة على هواجس أي مكون من هذه المكونات تكون بمزيد من الارتباط بمشروع الدولة القوية والعادلة لا بنقل الهواجس لمكون آخر. هذا كله ينطلق من أن المسلمين والمسيحيين مكونان أصيلان في مجتمعنا، إن توحدا كانا سببا في نهضتها، وأن توزعوا أقليات تنسق فيما بينها، فتحوا المجال واسعا لمن يريد الايقاع بمجتمعاتنا ومنع نهوضها، وهذا يستدعي الخروج من صيغة الأقليات لنعود مجتمعا واحدا يحرص بعضه على بعضه الآخر، ويستقوي بعضه ببعضه الآخر، ويحمي بعضه بعضا بعيدا عن النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، وبعيدا عن استثمار الانتماء الطائفي في المنافسات السياسية والتقدم للمشاركة في الحكم بإسم الطائفة أو المذهب مما يدمر الادارة ويعطل أي إصلاح أو تطوير للحياة السياسية".
وأردف: "أبدأ بمناقشة ما ورد في البيان الوزاري، مثمنا ما ورد فيه من إعلان نوايا لا سيما فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، ولكنني كنت أتمنى لو تضمن البيان أهدافا واضحة وقابلة للتنفيذ في عمر الحكومة المفترض قبل إجراء الانتخابات، حتى لا نقع في أخطاء سابقة عندما قطعت وعود ثم توقف العمل بها في منتصف الطريق فدفع المواطن الثمن من طموحه وآماله، وحتى نتمكن أيضا من المساءلة والمحاسبة العادلة والمنصفة. وهنا أسأل، كيف يمكن للبيان الوزاري أن يتحدث عن تعزيز الثقة بالوفاق الوطني والاستقلال والسيادة وبسط سلطة الدولة، وجزء من أعضائها يتغافل عن قيام جزء آخر منها بحروب خارجية، ليغفل البيان الوزاري عن مقاربة هذه الاشكالية على الأقل في محاولة لحفظ ماء وجه السيادة التي لا تتجزأ في طبيعتها، وللحد من مخاطر هذه الحروب واستجلابها للنار الاقليمية الى داخل الوطن.
لقد كان من واجب الحكومة التعهد بضبط كافة الحدود اللبنانية من الجيش اللبناني والقوى الأمنية حصرا وعدم السماح بمرور السلاح والمسلحين بالاتجاهين حفاظا على أمن لبنان وسيادته. كما كان مطلوبا من الحكومة، بدل إحالة موضوع الاستراتيجية الدفاعية لطاولة الحوار، وهي ليست مؤسسة دستورية أو ذات صلاحية، أن تقدم للبنانيين تعريفا واضحا للمقاومة وساحات عملها، ومن صاحب الحق في تحديد السلاح المقاوم وغيره، ووقف تمييز بعض الأجهزة الأمنية من خلال مداهمات بحثا عن السلاح الفردي في بيوت معينة وتغض الطرف عن أسلحة متوسطة ظاهرة للعيان في بيوت أخرى، ورفع الغطاء عن أي خارج عن هذا التعريف، ليتساوى المواطنون في شرف الدفاع عن الوطن في ظل الدولة، وكذلك ليتساووا في مساءلتها لهم خارج هذا الاطار. لقد وضعت الحكومة في بيانها الوزاري مواجهة الأعمال الارهابية كأولوية استثنائية وهذا تعهد مطلوب، ولكن اختصار المشكلة بالارهاب دون تعريفه لا يعبر عن حقيقة المشكلة، فاللبنانيين لم يكونوا بخير قبل ذلك، من اغتيالات، وأعمال خطف، وسلاح خارج إطار الدولة. إن نتضامن في وجه الارهاب يعني أن نتضامن في التعامل مع ثلاثة أنواع من الارهاب، الارهاب الصهيوني الذي يمثل قمة الارهاب بمختلف وجوهه ومعاييره، والارهاب الفكري ولا أقول الديني لأنه لا يعبر عن الدين الاسلامي أو المسيحي وليس موجها من دين ضد آخر وليس محصورا في دين أو مذهب دون آخر، وإرهاب الدولة التي لا مانع لديها من التضحية بشعوبها للحفاظ على وجودها وهي تحاول أن تتمدد من محيطنا الى داخلنا".
وقال: "من الجيد أن تتعهد الحكومة في بيانها الوزاري بإنجاز القانون الانتخابي، ولكنني كنت أتمنى لو تعهدت الحكومة بالانتهاء من ذلك خلال شهر من نيلها الثقة حتى نستطيع أن نقره كمجلس نيابي وننجز الانتخابات القادمة على أساسه، فنقطع الشك لدى الجمهور بالقين باستبعاد قانون الستين عن رقاب المواطنين، كما أتمنى لو نص البيان الوزاري على خفض سن الاقتراع، لنسمح لشباب لبنان بالمشاركة في اختيار من يمثل طموحاتهم في الندوة البرلمانية، كما أتمنى أن تكون الأولوية في إعداد هذا القانون لتأمين اندماج اللبنانيين بعضهم ببعض وإخراجهم من أسر الطائفية البغيضة، والخروج من واقع السياسة التقليدية والشعارات الغرائزية الى الالتقاء حول البرامج والمشاريع والرأي السياسية. لقد تحدث البيان الوزاري عن اعتماد الكفاءة في ملء الشواغر، وهذا مطلب حق، ولكنني أتساءل الى متى نبقى نجري امتحانات خدمة مدنية ولا نقوم بتوظيف الناجحين فيها تحت شعار التوازن الطائفي، وهل سنصل يوما الى التعيين والتوظيف على أساس الكفاءة والأداء وليس على أساس الولاء والانتماء؟".
أضاف: ان الفقرة المتعلقة بتعزيز القضاء وإصلاح شؤونه تستحق التقدير ولكنني أطالب الحكومة حتى تكتمل منظومة الاصلاح القضائي بأن تتعهد بالأمور التالية: إلغاء صلاحية المحكمة العسكرية النظر بقضايا متعلقة بالمدنيين وحصر مهامها بالعسكريين وإحالة المدنيين الى القضاء العدلي المختص، إسوة بجميع الدولة الديمقراطية والحديثة، وضع خطة للنهوض بالسجون وتحويلها من بيئة مشجعة على الاجرام الى بيئة إصلاحية، التعهد بإنهاء ملف الموقوفين الاسلاميين إذ ليس من العدالة أو الالتزام بمبادىء حقوق الانسان أن يبقى لدى الدولة موقوفون منذ سنوات من دون محاكمات، ومنهم من لم يقم بأي نشاط أو يحضر له وحكمه معروف، ومنهم من اشتبه به لوجود اتصالات بالمجموعات الملاحقة دون دليل على وجود صلة بالجريمة ومع ذلك فما زال بعضهم موقوفا منذ ما يزيد على الخمس سنوات. فهل يعقل يا دولة الرئيس ان يصبح المسلم مطلوبا لانه ملتزم دينيا؟ لذلك فإن حكومتكم مطالبة بالتعهد بانهاء هذا الملف في اقصر فترة ممكنة ليطلق سراح الابرياء وينال المرتكب عقابه المناسب".
وتابع: "لقد تكلم البيان الوزاري عن تعزيز دور المرأة ولكن غلبة مبدأ تقاسم الخصص وصعوبة توزيها على القوى المشاركة في الحكومة ادت الى عدم انصاف المرأة على رغم من وجود الكفاءات المطلوبة، فخرجت المرأة بوزيرة وحيدة نتمنى لها النجاح في مهمتها، كما اغفل البيان الوزاري جانبا هاما اخر لانصاف المرأة اطالب التعهد به وهو اعطاؤها حق منح الجنسية لابنائها، وهذا هو المعمول به في كثير من دول العالم، فأبسط حقوق المرأة اللبنانية ان تؤمن لها حق احتضان ابنائها بأمن وإطمئنان".
وأردف: "اما في الاطار الاعلامي، فنحن بحاجة الى ميثاق اعلامي يبرز الدور الذي ينبغي ان يؤديه الاعلام في تدعيم قيم المجتمع وترسيخ هويته ودعم مفاهيم الانتماء اليه، واحياء روح الوطنية والتسامح ورفض التعصب والتخلف واحترام الاديان وعدم التعرض لها بسوء تحت طائلة المحاسبة".
وقال: "لقد اشار البيان الوزاري الى التزام موضوع الفلسطسينيين المقيمين على الاراضي اللبنانية، الا انني اؤكد ان منظومة الحقوق الانسانية لا يمكن ان تكتمل دون اعطاء الفلسطينيين حق التملك للسكن اسوة بباقي الاخوة العرب والتوقف عن استخدامهم كفزاعة في المعادلة الداخلية. وفي ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين في لبنان فأنا اثني على التزام الحكومة بإحترام المواثيق الدولية المتعلقة باللجوء مع اتخاذ الاجراءات التي تقلل من الانعكاسات السلبية، ولكنني اتساءل الم يحن الاوان لايجاد شراكة منظمة بين الدولة اللبنانية والمجتمع المدني الذي يتحمل العبء الاكبر في هذا الملف، الم يحن الاوان العودة عن الخطأ والشروع في انشاء مخيمات تساعد على حصر النازحين وضبط واقعهم الامني وتنظيم المساعدات لهم واخيرا تسهيل تنظيم عودتهم الى بلادهم عندما تسمح الظروف؟"
وختم الحوت: "اتمنى للحكومة ورئيسها التوفيق في عملهم، وسأكون ومن امثل داعمين لكل ما هو في مصلحة الوطن والمواطن، ومعارضين او ناصحين لكل ما هو تجاوز حقوق المواطنين او لدولة القانون والمؤسسات التي نريد".