نص مداخلة رئيس الدائرة السياسية في الجماعة الاسلامية النائب السابق د. عماد الحوت في ندوة مناقشة كتاب "النبي الديمقراطي" للدكتور محمد حبش في معرض الكتاب العربي

الخميس 20 كانون الأول 2018

Depositphotos_3381924_original

أيها الحضور الكريم، إسمحوا لي أن أبدأ مداخلتي بتوجيه التحية للدكتور محمد حبش، لجمال تعبيره عن عشقه للنبي صلى الله عليه وسلم في خاتمة الكتاب، ولحرصه على توضيح أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلّم كانت السبّاقة في ترسيخ قيم العدل والشورى، فذكر في نقطة النظام في صدر الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان قائداً عمل من أجل خدمة الإنسان، وناضل ضد الاستبداد والثيوقراطية والأوتوقراطية، وكافح من أجل مجتمع عدالة وحرية.
ولا بد لي من أن أنوّه بالمنهجية العلمية التي قام عليها الكتاب واعتماده أمهات المراجع والكتب في الاستدلال على ما كتب، مع مخالفتي لبعض ما توصّل اليه من نتائج، بالإضافة الى التوازن في تقسيم الكتاب في اختصارٍ للجانب النظري دون إخلال وتوسّع في النماذج العملية دون استطالة.

ولقد أعجبني تعريف الكاتب المبسّط للديمقراطية، بعيداً عن تعقيدات الفلاسفة والمفكرين، بأنها منجزٌ إنساني يلتقي عنده كفاح الإنسان في مقارعة الاستبداد، وهي آلةٌ اجتماعية هدفها تدبير حياة الناس بما يسعدهم ويحقق حاجاتهم، وفق ما يعتقدون ويؤمنون.
كما أعجبتني تلك المقارنة الجميلة بين مصطلح العدل القرآني وبين مفرزات الديمقراطية من مساواة بين الناس، وتداول السلطة، واحترام القانون، واحترام الحريات وتحقيق الشورى، وتأمين العدالة الاجتماعية، وفي هذا تأكيد غير مباشر منه بأن الإسلام هو منهج حياة وهو أوسع من مفهوم الديمقراطية التي يتماهى مع مخرجاتها، لذلك من الظلم الإصرار على المقارنة بين الإسلام وغيره في محاولة للدفاع عنه وإظهار وسطيته، فالإسلام هو الإسلام والديمقراطية هي الديمقراطية وهذا لا يضير المنهج الاسلامي أو المنهج الديمقراطي، والالتقاء بينهما كبير، فالديمقراطية هي خلاصة تجربة إنسانية قابلة للتحسين والتطوير، وليست معياراً نهائياً يقاس عليه من سبقها الى جميع تلك القواعد كالإسلام وغيره، وإن كان من الواجب والمفيد الاستفادة منها لتحقيق العدالة والحرية والمساواة ومنع الاستبداد، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

وسأبدأ تناولي لموضوع الكتاب من آخره أي ما ورد على الغلاف الخلفي من الكتاب – وأقتبس -: "ففي التوقيت يأتي هذا الكتاب في نهاية عصر "الاسلام السياسي" الذي وجّه ضربةً بالغةً الى صورة الإسلام كحضارة قادرة على التعايش مع العصر والحضارات الأخرى، وما توصّلت اليه الاتجاهات السياسية والاجتماعية والفكرية والإنسانية السائدة" – انتهى الاقتباس -.
إن هذا الكلام يخالف ما ذكره الكاتب صراحةً في فصل (الديمقراطية والإسلام السياسي) ص 34 – 37 حيث ذكر أن تطوّر الوعي يجعل أن لو ذكرت هذه المفاهيم مجردة عن ذكر قائلها لحسب السامع أنها فقرة من البرنامج السياسي للأحزاب الإسلامية من حماس للنهضة وما بينهما. ثم ذكر أن هذه الأفكار تبدو اليوم جزءاً من بديهيات العمل السياسي في العالم الإسلامي، الذي تبنى بوضوح أن الدولة الإسلامية دولة مدنية وأنها لا تُحكم بسلطان الله وإنما تحكم بسلطان الشعب، وأن الوحي لا يعيّن خلفاء ولا وزراء ولا نواب، وإنما الشعب هو من يختار حكامه وهو من يحاسبهم ويعزلهم.
ثم ذكر أن هذه الأفكار في الواقع اليوم جوهر الخطاب السياسي للحركات الإسلامية التي انخرطت في العمل السياسي ودخلت البرلمانات في البلاد العربية والإسلامية. ثم ختم في هذا الباب: لقد حان الوقت لوقف الصراع الموهوم بين الإسلامي والعلماني في السياسة، وهذا الأمر في حقيقته قد تحقق بنجاح على مستوى الحركات الإسلامية الديمقراطية والأحزاب الوطنية.
فهل يعيب الإسلام السياسي أنه وقف مع شعبه أينما وجد في نضاله ضد الاستبداد، ثم كان بعد ذلك من الداعمين مع غيره للاحتكام لصناديق الاقتراع، وهل يعيبه أنه يدفع ثمن الانقلابات والثورات المضادة على حراك الشعوب، وهل حقاً انتهى عصر الإسلام السياسي أم هي موجةٌ ثورية وقعت في العام 2011 ستتلوها موجاتٌ ثورية على غرار ما حصل في الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات العالمية الأخرى، وحده التاريخ سيخبرنا عن ذلك ولكنني أرى اليوم من يمثل الإسلام السياسي في عالمنا العربي يحققون نتائج مميزة في كل انتخاباتٍ يخوضونها، من المغرب الى تونس والجزائر وموريتانيا والأردن والكويت وتركيا وغير ذلك كثير.

لقد أبرز الكاتب نقاط الالتقاء بين المنهج الإسلامي للحكم والديمقراطية وأجاد في ذلك، ولكنني أظن أنه ذهب بعيداً في ذلك حين أعتبر تغير الأحكام هو نوعٌ من الديمقراطية ونزولٌ عند رغبة الناس، بينما في الحقيقة أن مجمل النسخ أو التعديل في الأحكام جاء كتدرّجٍ في الحكم مراعاةً لطبيعة الناس والانتقال التدريجي بهم من حالٍ الى حال، أو تصحيحٌ لاجتهاد بشري في الحكم على الأمور، أو توضيحٌ لما التبس على الناس من فهم.
جوهر الديمقراطية أيها السادة، هو أن يختار الناس من يحكمهم، وألا يفرض عليهم حاكم يكرهونه، أو نظام يرفضونه، وأن يكون لهم حق محاسبة الحاكم إذا أخطأ، وحق عزله إذا انحرف، وألا يساق الناس إلى اتجاهات أو مناهج اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية لا يعرفونها ولا يرضون عنها. هذا هو جوهر الديمقراطية الحقيقية التي وجدت البشرية لها صيغًا وأساليب عملية، مثل الانتخاب والاستفتاء العام، وترجيح حكم الأكثرية، وتعدد الأحزاب السياسية، وحق الأقلية في المعارضة وحرية الصحافة، واستقلال القضاء .. إلخ، وهو ما لا يمكن أن يرفضه الإسلام الذي أمر بالشورى، وذم الفراعنة والجبابرة، ودعا الى اختيار القوي الأمين، والحفيظ العليم.

ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث: "ثلاثةٌ لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً، منهم رجلٌ أمَّ قومه وهم له كارهون...، فإذا كان هذا في الصلاة فكيف في الأمور الحياة والسياسة؟
كما ذمَّ القرآن الكريم التحالفٍ الخبيث بين الحاكم المتسلط على الناس، كفرعون، وبين السياسي الوصولي، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية، وتثبيت حكمه، كهامان، وبين الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، يؤيده ببذل بعض ماله، ليكسب أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، كقارون، وهو المشهد الذي نراه اليوم في الكثير من الدول.
لقد سبق الإسلام الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهرها، ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين، وفق أصول دينهم، ومصالح دنياهم، وتطوّر حياتهم بحسب الزمان والمكان وتجدد أحوال الإنسان. وميزة الديمقراطية أنها اهتدت ـ خلال كفاحها الطويل مع المستبدين ـ إلى صيغ ووسائل، تعتبر ـ إلى اليوم ـ أمثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين.

وحتى تتضح الصورة، يمكن تلخيص خصائص النظام الديمقراطي بالنقاط التالية:
1. اختيار الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة.
2. ممارسة الأغلبية المنتخبة الحكم، وهي أغلبية سياسية وليست عرقية أو إثنية أو دينية.
3. صيانة حقوق المعارضة والتعددية السياسية والتداول على السلطة.
4. صيانة الحريات العامة، كحرية التعبير والاجتماع والصحافة.
5. وجود دولة القانون التي تحترم وتضمن حقوق المواطنين والمساواة بينهم.
6. ضمان الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية
7. ترسيخ مبدأ الدستورية، أي احترام الدستور والعودة اليه في حل الخلافات.

كما يمكن تلخيص المنهج الإسلامي للدولة بأنها دولة مدنية
1. الشعب فيها مصدر السلطات: يختار الحاكم، والممثلين، ويحاسب ويسائل.
2. ليست دولة دينية: أي لا تحكم باسم الحق الإلهي، وقراراتها لا تمثل إرادة الخالق وإنما اجتهادات المسؤولين التي تحتمل الصواب والخطأ.
3. وهي دولة ذات مرجعية وقيم:
− الكرامة: (ولقد كرّمنا بني آدم)
− الحرية (لا إكراه في الدين)
− العدالة (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)
− التعايش: (ميثاق المدينة: اعتراف – احترام – أخلاق – تعاون)
− الشورى: (وأمرهم شورى بينهم).
4. وظائفها: تأمين العدالة الاجتماعية، حراسة المال العام، إنفاذ القانون، وحفظ السيادة.
5. تقوم على المواطنة الصالحة: أي الوحدة في إطار التنوّع: الوحدة المجتمعية، واحترام التنوع الثقافي، وممارسة التعددية الحزبية، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر.
اشتكى قبطي لعمر بن الخطاب بأن ابن والي مصر عمرو بن العاص قد قام بضربه، فاستدعى عمر عمرو بن العاص وولده، وطلب من القبطي أن يقتص لنفسه ممن ضربه، ثم قال لعمرو بن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
6. الحاكم فيها موظّف عند الشعب ويعمل لصالحه وفق الدستور المتفق عليه، ولا قداسة أو عصمة للحاكم.
لذلك كانت مقولة أبي بكر الصديق: فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته، فلا طاعة لي عليكم
ومقولة عمر بن الخطاب: أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومني.
كما كانت مخصصات أبي بكر الصديق: نصف شاة يومياً.
كما كانت مخصصات عمر بن الخطاب: ثوب في الصيف وثوب في الشتاء، قوت أهله كأوسط الناس، دابة يحج عليها ويعتمر.
ومن المناسب إجراء مقارنة بين هذه المخصصات ومخصصات المسؤولين في الدول التي تمارس الديمقراطية فضلاً عن بلداننا.
7. قواعد الحكم فيها تقوم على سيادة القانون والتساوي أمامه، وعلى الشورى واستقلال القضاء وعلى الانتخاب الحر (سقيفة بني ساعدة ومرشح من الأنصار ومرشح من المهاجرين ثم اختيار أبي بكر).
ولقد إدّعى يهودي على علي بن أبي طالب بدرعٍ مرهونة، فاستدعى القاضي المتخاصمين (اليهودي ورئيس الدولة) أمامه بالتساوي حتى حكم بينهما.

أيها الحضور الكريم، ذكرت لكم هذه المقارنة بين خصائص النظام الديمقراطي وخصائص النظام الإسلامي، لأقول لكم أنه لا اختلاف جوهري بينهما، وأننا نناقش في جنس الملائكة بينما حقوقنا تهدر وأوطاننا تضيع بسبب الاستبداد والفساد والارتهان.

شكرا لدار سائر المشرق على طباعتها لهذا الكتاب الغزير بالاستشهادات والمفيد لكل باحث في هذا المجال، شكراً للصديق أنطوان سعد على الدعوة، وشكراً للحضور الكريم على الاستماع.