مؤتمر "رؤية وطن".. نقطة مفصلية في تاريخ "الجماعة الإسلامية"!

الإثنين 15 أيار 2017

Depositphotos_3381924_original

 

بصورة جديدة أطلّت "الجماعة الإسلامية" على اللبنانيين معلنة وثيقتها السياسية الجديدة التي حملت عنوان: "رؤية وطن"، في مؤتمرها العام الذي نظمته للمرة الأولى خارج قاعاتها التنظيمية، فكان مؤتمراً علنياً دعت إليه الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى المرجعيات الدينية والروحية، وممثلي الأحزاب والقيادات السياسية ووزراء ونواب حاليين وسابقين، كما ممثلي السفارات والبعثات الديبلوماسية في لبنان.

في الشكل، اتّسم المؤتمر، الذي انعقد في "البيال"- بيروت، بدقّة في التنظيم وقدرة على إدارة مؤتمر بهذا الحجم وبحضور شخصيات على مستوى رسمي وحزبي وديني وروحي، كما كان لافتاً أنّ الهيئة التنظيمية للمؤتمر كانت برمتها من الجيل الشاب في "الجماعة"، إضافة إلى دور أساسي وفاعل للمرأة التي كانت مشاركة وحاضرة بكثافة، والتي سيكون لها دور أكبر على الصعيد السياسي، وهو دور سيكون تكاملياً مع الرجل بحسب ما جاء في الوثيقة.

في الشكل أيضاَ، ولجهة الحضور كان لافتاً أنّ الرؤساء الثلاثة أوفدوا ممثلين ينتمون للطائفة نفسها وهي الطائفة السنية، التي تُعتبر "الجماعة" ممثلة لها في المجتمع اللبناني، فأوفد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير البيئة طارق الخطيب، وأوفد رئيس مجلس النواب نبيه برّي النائب عمّار حوري، فيما أوفد الرئيس سعد الحريري النائب محمد قباني.

كما حضر كلّ من الرئيس حسين الحسيني، والرئيس نجيب ميقاتي ممثلاً بالدكتور خلدون الشريف، والوزير غازي العريضي ممثلاً النائب وليد جنبلاط. وبرز غياب أي ممثّل عن كلّ من: "حزب الله"، السفارة الإيرانية في بيروت والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

في المضمون، أعلنت "الجماعة" أنّها تفتح مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة وصفها الأمين العام لـ"الجماعة" عزام الأيوبي بأنّها "مرحلة ستكون لها ملامحها الخاصّة، وأدواتها الجديدة التي تتناسب مع الرؤية التي تنطلق منها"، لكنّه أوضح أنّ "هذا التغيير لا علاقة له بفكر "الجماعة" ولا بقيمها الإسلامية، لأنّ فكرها لا يتغيّر... أمّا وسائل عملها فهي دائمة التجديد".

ما بدا واضحاً من خلال هذا الكلام أنّ "الجماعة" أعلنت أنّ التغيير سيكون بالأسلوب عبر رؤية متكاملة لنظرتها للبنان على مختلف الصعد، وهذا ما فصّلته في وثيقتها، وبالتالي التوجّه نحو العمل المحلّي بشكل أكبر، بعيداً عمّا يحدث في المحيط، مع التأكيد على التمسّك بالثوابت إن لجهة العداء لإسرائيل، كما دعم الشعوب المطالبة بالحرية، وصولاً إلى رفض السلاح غير الشرعي.

في السياسة، انطلقت وثيقة "الجماعة" من دراسة للواقع العام، وتسمية الأمور بمسمياتها، قبل الانتقال إلى اقتراحات الحلول. وهو ما تحدّث عنه الأيوبي الذي أشار إلى أنّ "واقعنا الوطني يكاد يكون في أسوأ مراحله التاريخية، فالمؤسسات الدستورية تتآكل وتستنزف... والطائفية تطلّ برأسها في كلّ كبيرة وصغيرة، ما يجعل لبنان أشبه بفيدرالية طوائف، والجمود الاقتصادي يضع جزءاً كبيراً من الشعب اللبناني تحت حالة الفقر والعوز"، متسائلاً: "هل يجوز لنا أن نستمرّ على هذه الحال؟ خاصّة إذا أضفنا المشهد الإقليمي إلى واقعنا الداخلي".

كما انطلق الأيوبي من "المخاطر التي تتهدّدنا نتيجة الأطماع الإسرائيلية، وانتشار الفكر الإرهابي، ومحاولات زعزعة الأمن العربي"، ليوجّه دعوة لمختلف الأطراف لـ"إجراء مراجعة شاملة لكلّ الخيارات التي تمّ تبنّيها على مدى السنوات السابقة، والذهاب باتجاه خيارات غير فئوية ولا طائفية، وغير مرتبطة بأيّ مشروع خارجي".

كما أنّ اللافت هي الدعوة إلى "الإلتزام قولاً وفعلاً بسياسة النأي بالنفس عمّا يجري في محيطنا، والعودة إلى النقطة التي كنّا قد اجتمعنا عليها في اتفاق "الطائف"، الذي أرسى مسارات كان من شأنها أن تخلّصنا من الأمراض السياسية التي نعاني منها، وفي مقدّمتها الطائفية".

وهنا، يرى المتابعون أنّ "التشديد على رفض الطائفية ونبذها، والدعوة إلى الالتزام بدستور الدولة المدني والوضعي، هو تطوّر أساسي وهام في مسيرة "الجماعة"، وهو يرسّخ لدى كلّ المشكّكين بهوية "الجماعة" انتماءها الوطني للبنان الذي لا يتناقض مع توجّهاتها ومبادئها الإسلامية، كما إرادتها في العيش بدولة "المواطنة" التي يتساوى فيها أبناؤها في الحقوق والواجبات"، وهذا ما أشار إليه الأيوبي في ختام كلمته، حيث قال: "نحن حزب لبناني الهوية، إسلامي التوجّهات، نحترم الأديان وننبذ الطائفية... نسعى إلى بناء وطن قوي متماسك، يتبنّى ويحمي تلك القيم، يحتضن كلّ أبنائه دونما تفريق، ويستثمر الثروات والطاقات المتاحة بما يعود بالخبر والرفاه على الجميع".

وأكّد الأيوبي في كلمته على الشراكة الإسلامية - المسيحية، بالقول: "إنّ المسلمين والمسيحيين مكوّنان أصيلان في مجتمعنا، إن توحّدا كانا سبباً في نهضته، وإن توزّعوا أقليات تنسّق فيما بينها، فتحوا المجال واسعاً لمن يريد الإيقاع بمجتمعاتنا ومنع نهوضها، وهذا يستدعي الخروج من صيغة الأقليات لنعود مجتمعاً واحداً يحرص بعضه على بضعه الآخر".

ولم يخلُ المؤتمر من الحديث عن ظاهرة الإرهاب وضرورة التضامن لمواجهته، لكن بعد الإتفاق على تعريفه، فالأيوبي اعتبر أنّ "الإرهاب هو ثلاثة أنواع: الإرهاب الصهيوني الذي يمثّل قمة الإرهاب، والإرهاب الفكري وليس الديني الذي لا يعبّر عن الدين الإسلامي أو المسيحي، وليس موجّهاً من دين ضدّ آخر... وأيضاً إرهاب الدولة التي تضحّي بشعوبها للحفاظ على وجودها وهي تحاول أن تتمدّد من محيطنا إلى داخلنا".

واعتبر أنّ "أدوات المعالجة هي وقف الشعور بالظلم واستعادة ثقة الناس بالدولة وعدالتها، وعدم تمييزها أمام القانون بين فئة وأخرى".

يُجمع المتابعون على أنّ "الجماعة" أطلّت بصورة جديدة ومتقدّمة أمام الرأي العام اللبناني، كما أنّ العمل التنظيمي الذي سيشهد تحسناً وتطوراً سيعطي زخماً للإنطلاقة الجديدة، خاصة لفئة الشباب داخل "الجماعة"، بانتظار ترجمة هذا التجديد عملياً على الأرض.

حسن هاشم - خاص "لبنان 24"

http://www.lebanon24.com/articles/1494840074799430500/