العودة الى التسوية
الإثنين 13 تشرين الثاني 2017
المقابلة التي أجراها رئيس الحكومة "المستقيل" سعد الحريري ليلة أمس لم تبدد أجواء الشك الكثيفة التي اكتنفت وجوده في السعودية منذ الرابع من تشرين الثاني الجاري تاريخ التقدم باستقالته، وإن تركت أجواءَ من الراحة تعطي انطباعاً أن الحريري ليس موقوفاً أو محتجزاً. إلا أن الملفت أن مضمون المقابلة وما حملته يكاد يختلف جذرياً عن مضمون كتاب الاستقالة. في كتاب الاستقالة حمل الحريري بشكل عنيف على ايران وعلى حزب الله متوعداً ومهدداً. وفي المقابلة عاد الى التسوية التي أتت بالرئيس عون رئيساً للجمهورية وما تضمنته من أمور أخرى. الشيء الوحيد الذي شدد عليه الرئيس الحريري في المقابلة هو موضوع النأي بلبنان عن أزمات المنطقة. وربما ليس عن كل الأزمات ، بل عن أحداث الخليج تحديداً. ولذلك ذكر أن السعودية لم تأخذ أي اجراء بحق حزب الله الا عندما تدخّل في اليمن. أما تدخّله في سوريا مثلاً قبل ذلك فلم يقف عنده كثيراً.
واضح جداً أن الحريري في المقابلة أعاد فتح الباب لـ "إحياء" التسوية بعد اعادة تطويرها وتحديثها، ولعل نقطة النأي بالنفس هي النقطة الأساسية في هذا التحديث، وهي بالمناسبة لا تحتاج إلا الى ضمانة الالتزام بها، ويمكن بعدها أن تمضي دون اشكاليات. ويبدو أن النأي بالنفس المطلوب في التسوية المحدّثة، إذا صح التعبير، هو عن الملف والموضوع الخليجي. أما ما في لبنان من مصائب ومسائل كثيرة فلا بأس أن تعود الأمور الى ما كانت عليه.
هل يمكن أن تشكل هذه المقابلة بما تضمنته من مواقف مدخلاً لتسوية، جديدة او محدّثة؟ وإن كانت ضمن سقف الحدود الدنيا؟
الرئيس ميشال عون، وبحسب ما نقلت عنه بعض المصادر، ينوي توجيه الدعوة لطاولة حوار وطني، ربما تشبه طاولة حوار بعبدا زمن الرئيس السابق ميشال سليمان، وذلك بهدف الخروج من هذه الأزمة. ومن الأمور التي يمكن أن تطرح على طاولة الحوار ملف النأي بالنفس، وحتى ملف السلاح. وهذا يعني إمكانية عودة الأمور الى نصابها الذي كانت عليه قبل الاستقالة، أو الى تسوية محدّثة ولو شكلياً لمقتضيات المرحلة الجديدة.
ولكن السؤال : كيف يمكن أن يتعاطى حزب الله مع هذه التسوية أو حتى الحوار؟
من المؤكد أن حزب الله استشعر خلال الايام الأخيرة خطورة انزلاق لبنان نحو الفوضى الشاملة، أو حتى تعرّضه لحرب أو عدوان جديد، ولذلك فإنه لا يمانع بالدخول في حوار مع الاطراف الأخرى مع وعود بتقديم تنازلات بهدف شراء الوقت وتفويت الفرصة على أي اجراءات جديدة بحقه، بل ربما لا يمانع حزب الله بتقديم بعض التنازلات لا سيما المتصلة بالخليج، من أجل انجاز تسوية جديدة أو محدّثة لكنها تحفظه من ناحية وتحفظ ما حققه من مكاسب، لا سيما في الفضاء الحيوي الذي يتحرك فيه، ونقصد هنا لبنان وسوريا.
الأهم في كل هذه التطورات الجديدة أن تكون العودة الى التسوية القديمة أو الجديدة أو المحدّثة عملية، وإرساء لقواعد التوازن بين المكونات، واتزان في أداء المؤسسات حتى لا يشعر أحد بالغبن ويندفع في مغامرات أو أعمال يدفع ثمنها الجميع، ولعل الساحة الاسلامية معنية أكثر من ذي قبل في رص صفها وبناء موقف موحد ينقذ البلد ويحفظ الدور الوطني.
المكتب الاعلامي المركزي