كلمة النائب عماد الحوت خلال جلسة مجلس النواب لمساءلة الحكومة

السبت 8 نيسان 2017

Depositphotos_3381924_original

 

دولة الرئيس،
السادة الحضور،

سأتجاوز في كلمتي لضغط الوقت الحيثيات وأتجنب تكرار ما قاله الزملاء وأذهب مباشرةً لأسئلة محدد ومقترحات.
ولكم اسمحوا لي قبل أن أبدأ بمناقشة الحكومة أن أتوقف عند نقاطٍ سريعةٍ أساهم من خلالها في استبدال صورةٍ بصورة وتصحيح منهجية التفكير لدى المواطن الذي يسمعنا في جلسات المناقشة العامة هذه، إذا أن بين التفكير والتكفير زلة لسان ينقلب فيها نور التفكير الى ظلمة التكفير وهذا ما لا أحبه لأحد.
النقطة الأولى يا دولة الرئيس هي أنني لست من الذين يبدأون كلامهم بالبسملة جهراً، وإن كنت أبدأ بها سراً، وذلك لسببين، السبب الأول أنني أرى أن العلاقة بيني وبين ربي  كما أدائي لفروض الإجلال له حقٌ شخصي لا أحب أن يشاركني فيه أحد أو أن أفرضه على أحد، والسبب الآخر حتى لا أوهم السامعين أن لكلامي عصمةً مستمدةً من البسملة فأظهر بذلك وكأنني  أمتلك الحقيقة الكاملة التي لا نقاش فيها وهذا عين منطق التكفير.
النقطة الثانية، فهي أني أعشق الشهادة تماماً كعشقي للحياة، لأنني مقتنع كل القناعة أن كلاهما طريقٌ للوصول لرضى الله إن أحسنت السعي اليهما، فلا أستخدم قواعد مواجهة عدو الوطن في التعامل مع أبناء مجتمعي، بل أكون غليظاً شديد الغلظة مع العدو المحتل فلا أهاب مواجهته وأتشارك مع أبناء بلدي في إعداد العدة لهذه المواجهة، وأكون رحيماً منتهى الرحمة في التعامل مع أبناء مجتمعي أسعى للتعاون معهم في عملية البناء بعيداً عن أي تعطيلٍ أو استعلاءٍ أو استقواءٍ، وأتخذ من الحوار الإيجابي طريقاً في ردم مسافة الخلاف معهم عند حصوله.
أما النقطة الثالثة والأخيرة، فلقد راهنت وسأستمر في رهاني الصائب على الشعوب وثباتها في معركتها لاسترداد حريتها من الأنظمة الظالمة والقاتلة، فعي التي وقفت ولا تزال الى جانب المقاومة الفلسطينية لأنها تواجه العدو الصهيوني، وهي التي وقفت الى جانب المقاومة اللبنانية حين واجهت هذا العدو ثم أدبرت عنها حين توجّه السلاح الى وجهةٍ أخرى.
أدرك، يا دولة الرئيس، أن الملفات أكثر من أن تُطيق أي حكومةٍ التصدي لها جميعها، ولذلك سأحصر مناقشتي في ملفاتٍ أعلنت الحكومة التعامل معها لأطرح حولها أسئلةً آمل الحصول من الحكومة على أجوبةٍ واضحةٍ لها تشفي غليل المواطن الذي ينتظر هذه الإجابات.

أولاً: سلسلة الرتب والرواتب
هذا الملف، دولة الرئيس، أجمعت كل القوى على أنه حق كما أجمعت على ضرورة تأمين التوازن المالي حوله، ولكننا أخطأنا في توجيه الرسالة أثناء النقاش الذي دار في هذا الملف بتقديم مناقشة الواردات والضرائب على المناقشة الجدية للإصلاحات وكان الأولى أن نبدأ في تقرير مجموعةٍ من الإصلاحات الجدية والفاعلة لنعبِّر وبجد أن أولوية تمويل السلسلة ليس من جيوب المواطنين وفرض ضرائب جديدة وإنما من خلال ضبط الإنفاق تخفيف الهدر، لذلك طالب بضم مناقشة سلسلة الرتب والرواتب الى مناقشة الموازنة انطلاقاً من وحدة المالية العامة وحتى لا نفرض الضرائب مرتين.

ثانياً: ملف الكهرباء
لقد أقرت الحكومة خطة طوارئ لمدة ثلاث سنوات ولقد عاد بي الزمن وأنا أستمع لمؤتمر وزير الطاقة حول الخطة الى العام 2012 وحسبت نفسي أستمع لمؤتمر صحفي لوزير طاقة سابق يعد فيه اللبنانيين بالكهرباء 24 ساعة على 24 في العام 2015 مع إقرار قانون برنامج بهذا الخصوص وإذا بي أستفيق على حاجتنا اليومكما ورد في الخطة لأربعة بواخر بدل اثنتين كنا بحاجةٍ لهما في خطة عام 2012، وسألت نفسي وأحيل السؤال الى الحكومة: ما هي الضمانات لعدم الإنفاق غير المجدي وتكرار خيبة الأمل من جديد.
أما في موضوع زيادة التعرفة وقد قُدِّرت بحوالي 40%، بحجة أنها ستوفر على المواطن فاتورة المولّد، فهل أخذت الدراسة بعين الإعتبار البحث عن الكلفة الأدنى مع الفاعلية المقبولة، خاصةً وأن فكرة البواخر هي الحل الأسهل ولكن ليس الأرخص لا سيما في غياب مناقصة حقيقية توجد عامل التنافس، وهل لاحظت الدراسة أن الطبقة دون المتوسطة وهي الأغلب بين اللبنانيين ليس عندها اشتراك مولّدٍ أصلاً لأنها غير قادرة على دفع قيمته.
لقد كثر الكلام حول آلية المناقصات والتلزيمات الرضائية التي يحضّر لها سواء بموضوع البواخر أو المعامل أو الطاقة البديلة، وبالتالي أطالب الحكومة بكامل الشفافية في هذا الملف حتى نطمئن ويطمئن معنا المواطن على جدية الإجراءات وجدواها الإقتصادية وخلوها من أي شبهة فساد ونشر نتائج الرابحين والخاسرين في كل مناقصة أو تلزيم، وهذا ليس من منطلق التشكيك المسبق وإنما في زمن "استعادة الثقة" لا بد من إجراءات استثنائية لتأمين هذه الإستعادة.

ثالثاً: مكافحة الفساد في الإدارة
نلاحظ أن هناك بطءٌ في التعامل مع هذا الملف الشائك وأطالب الحكومة بالإسراع في تنفيذ الإجراءات التالية:
-    تنفيذ ما ورد في قانون حق الوصول للمعلومات ومنها تعيين موظف معلومات في كل إدارة إذ أن نشر المعلومات يساعد على الردع في التجاوزات.
-    إطلاق ورشة المكننة والحكومة الإلكترونية وهو إجراء كفيل بمعالجة جزء كبير من الفساد في الإدارة وإنهاء ظاهرة الجارورين وتحسين شروط خدمة المواطن.
-    تعزيز شفافية أداء الوزارات من خلال تقارير إنجاز فصلي ترسل لمجلس النواب وتنشر على صفحات الإنترنت ليتمكن المواطنون من الإطلاع عليها.
-    إعلان آلية واضحة للتعيينات والإلتزام بها إعمالاً لمبدأي الكفاءة والمساواة بين المواطنين.
-    وقف التوظيفات لمدة سنتين إلا في حالة الضرورة لاستمرار المرفق العام والتي يقررها مجلس الوزراء، بانتظار قيام جميع الوزارات والمؤسسات العامة بدراسة واقع ملاكها النظري والفعلي وإعادة هيكلة الملاكات وتوزيع الفائض للإنتهاء من ظاهرة البطالة المقنعة في الإدارات العامة.
-    وضع سقف عددي للمستشارين في الوزارات والإعتماد على الكفاءات المتوفرة في الإدارة وهي كثيرة وإعطائها فرصةً للإبداع.

رابعاً: ملف الموقوفين الإسلاميين
لقد فوجئنا في الأشهر الأخيرة بأحكام مخففة على متعاملين مع العدو الصهيوني أقاموا بين أحضانه وتعلموا في مؤسساته، بينما يبقى العديد من الشباب المسلم منذ سنوات رهن التوقيف نتيجة إتصال قام به أو استشباه بأنه يفكر بالقيام بعملٍ لم يقم به أو غير ذلك، ولا أتكلم هنا عن من ثبُت على يديه دم.
وهنا إسمحوا لي أن أؤكد أنه آن الأوان لهذا الملف أن يعالج بشكل جدي حتى لا ندفع شبابنا لليأس من عدالة بلادهم وقوانينها، وذلك من خلال التسريع بالأحكام العادلة، إنهاء إزدواجية المعايير القضائية والمحاسبة على الفكر والإشتباه لدى شريحة من اللبنانيين وتخفيف المحاسبة على الممارسة الفعلية لدى شريحة أخرى، وقف التمادي بالتوقيف بالشبهة، وأخيراً عدم التفكير باستثنائهم من أي قانون عفو عام ممكن أن يصدر.
وهنا أطالب معالي وزير العدل باعتبار التقرير الذي تم بثه على قناة الجزيرة حول أحداث عبرا بمثابة إخبار وفتح تحقيق سريع حوله، لأن أبنائنا في الجيش اللبناني يستأهلون منا الإهتمام الجدي بالتحديد الدقيق للمسؤوليات في هذا الإعتداء على الجيش، وبالتالي الحكم قضائياً على صحة أو عدم صحة ما ورد في هذا التقرير والبناء عليه.

خامساً: حق المرأة اللبنانية
أدعو الحكومة وقد خصصت وزارة دولة لشؤون المرأة أن تتبنى حق المرأة اللبنانية إعطاء الجنسية لأبنائها وتقديم مشروع قانون بهذا الخصوص، كما أدعو رئاسة المجلس بتفعيل التعامل مع اقتراح القانون الذي قمت بتقديمه في 10 شباط 2016 بهذا الخصوص.

سادساً وأخيراً: قانون الإنتخابات
لقد توافقنا جميعاً على مبدأ وقف العد في لبنان، ولكنه كان توافقاً لبناء الوطن بجهد مشترك وإسهام جميع أبنائه، وليس لتكريس فدرالية طوائف والعودة الى خطابات ترسم خطوطاً حمراء تذكرنا بخطوط شبيهة رُسمت قبل عام 1975 وتحولت في ليلةٍ شديدة السواد الى خطوط تماس بين اللبنانيين عانوا منها طيلة خمسة عشر سنة، خاصةً وأن هناك من لا يتورّع عن استخدام فائض القوة العسكرية التي يمتلكها لتوجيه رسائل سياسية بهذا الإتجاه أو ذاك.
واليوم، بعد أن قررت الحكومة التصدي لتبني مشروع قانون انتخابات وإرساله لمجلس النواب، أرجو أن ينتقل النقاش على طاولة مجلس الوزراء من أحجام القوى السياسية الى التركيز على ثلاثة معايير:
-    صحة التمثيل، ولا أقصد فيه صحة تمثيل القوى المتمثلة بالسلطة والتي تؤخر صدور القانون باختلافها على الحصص والأحجام، وإنما أيضاً صحة تمثيل المواطن العادي الذي لا ينتمي الى الأحزاب وهو الأكثر عدداً، والأكثر مظلومية، وتأمين اقتراع الشباب من سن الثامنة عشر، وتأمين فرصة مشاركة حقيقية للمرأة .
-    وحدة المعايير، فلا يُنتخب نائب بعشرة آلاف صوت ويُنتخب آخر بخمسين ألف.
-    رفض تكريس الطائفية وإعلاء قيمة المواطنة رحمةً بلبنان والأجيال القادمة.
لا يظنّن أحدٌ أنه ينجومن الآثار السلبية للمؤتمر التأسيسي والفراغ، فلا قوة السلاح ولا الأكثرية العددية ولا أي عنصر آخر يمكن أن يرجّح كفة على كفة، فنحن عاجزون في ظل مظلة دستورٍ قائم عن الوصول لقانون انتخابات، وسنكون أعجز في الوصول الى أي إتفاق إذا فقدنا هذه المظلة.
أسئلةٌ أضعها بين يدي الحكومة ورئيسها آملاً الحصول على أجوبة عملية وتنفيذية لها حتى نتمكن جميعاً من استعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، وشكراً.