رثاء من الأستاذ أسعد هرموش
الإثنين 30 كانون الثاني 2017
رجل من الرعيل الأول فقدناه
بقلوب مطمئنة وراضية بقضاء الله ننعي أخي الكبير الحاج محمد عارف محمود دبوسي من رجالات الجماعة الاسلامية في طرابلس ، ومن الرعيل الاول ، تعودت معرفتي بالحاج عارف " ابو محمود " ، كما يحب ان نسميه ، الى عام 1972 ، في بدايات تعرفي الى الجماعة ، قبل ان انتسب اليها ، أخا " ملتزما " ، عام 1974 ، يومها رشحت الجماعة للإنتخابات النيابية الأخ الدكتور محمد علي ضناوي رئيس الدائرة السياسية آنذاك ، و انخرط الإخوان في معركة كبيرة ، بين متنافسين كبار ، الرئيس الشهيد رشيد كرامي و طبيب طرابلس النائب الدكتور عبدالمجيد الرافعي ، و لا مجال آنذاك لمرشح إسلامي ، يمثل خطا " ثالثا " ، في حالة استقطاب واصطفاف سياسي حاد في مدينة طرابلس .
يومها ، كان الإخوان ، وجلهم من الطلاب ، او بعض الأساتذة او الخريجين الجدد ، وحده عارف دبوسي كان من التجار ، يملك مكتبة لبيع القرطاسية في سوق العطارين ، حيث كان السوق احد اهم شرايين الحياة الاقتصادية في المدينة ، رفع صورة كبيرة لمرشح الجماهير المؤمنة في متجره ، الامر الذي سبب له الكثير من الحرج و المضايقات .
وحده ايضا " عارف دبوسي من كان يملك سيارة خاصة ، وضعها في تصرف الحملة الانتخابية ، و عندما شعر انصار الرئيس رشيد كرامي ، ان مرشح الجماعة بدأ يستقطب الشريحة الطرابلسية المحافظة ، التي ترفض ان تصوت للمرشح " البعثي " " كما يسمونه " ، بدأ أنصار كرامي يروجون قبل يومين من الانتخابات ان الضناوي إنسحب من الانتخابات وكان على الجماعة ان تستنفر كل طاقاتها ، لتؤكد استمرارها في الانتخابات .
وقف المرحوم الحاج عارف بقامته ولحيته ، امام محله في السوق المزدحم ، يقول لكل المارة ، ان لا إنسحاب و ان الجماعة مستمرة ، ويوزع عليهم ورقة اقتراع باسم المرشح .
ومن يومها لم يتخلف الاخ عارف عن معركة او استحقاق ، بالنفس والمال ، والجهد ، وكان يشجع زوجته الاخت الكريمة الحاجة هلا الرجب ، بنت الاصول العريقة ، والأرومة الطيبة ، من علية القوم في حلبا - عكار ، على الإنخراط بالعمل الاسلامي .
إنتقل الحاج عارف الى تجارة البناء وكان من المجلين في هذا المضمار .
ولا ننسى ابدا " ، وقوفه الى جانبي مع عائلته في انتخابات 92 وما بعدها .
وكان يعتبر عارف دبوسي ان تأكيد حضور الجماعة والمشاركة في نشاطاتها من باب الجهاد الاكبر ، الذي لا يجوز للمرء ان يتخلف فيه عن الزحف ( كما يقول ) .
الى جانب جهاده و بذله ، كان يتمتع الحاج عارف بمهارة في إعداد الطعام و خاصة المنسف والمغربية والبوظة والحلويات التي اشتهر بها آل دبوسي في طرابلس ، وكان في كل وليمة ، يصر عليّ ، انه سيحضر قسما " من الوليمة بنفسه .
وعلى المستوى العائلي ، دفع زوجته الاخت هلا الرجب دبوسي ، الى ميادين العمل النسوي الاسلامي ، فلا يمكن ان تذكر مدارس الجنان ، والرابطة النسائية و جمعية النجاة ،إلاّ وتجد الحاجة هلا ، أطال الله بعمرها ، في المقدمة .
لم يرزق المرحوم الحاج عارف بولد ذكر ، انما كان له كوكبة من البنات الفاضلات ، اللواتي أحسن تربيتهن وتعليمهن و تهذيبهن .
وكان منهن جليات كالدكتورة إيمان دبوسي درغام ، الطبيبة النسائية الاولى في طرابلس ، والدكتورة حبيبة دبوسي الخوجة ، رئيسة قسم التمريض في مستشفى دار الشفاء و غيرهن من الاخوات الكريمات في الخارج .
ندعو الله سبحانه ان يكن بابه الى الجنة .
عندما تقاعد الحاج عارف ، بدأ العمل على بناء المساجد ، فكان بالفعل " أبا المساجد " فتبرع بأرض مسجد السيدة خديجة في أبي سمراء ، و أقام نصف البناء ، ثم تقدم محسن من آل الجمل و أكمل البناء ، وهو الآن منارة للعلم والعبادة في المنطقة .
كما أقام الحاج عارف بناء" في جهة قلعة طرابلس ، وبنى مسجدا " أسماه مسجد " سفيان الأزدي " محرر طرابلس من الصليبيين .
وهو على فراش المرض ، كنت بزيارته و أودعني خرائط لمجمع إسلامي ومسجد على مساحة 4000 متر مربع في حلبا ، يريد بناءه ، لكن المرض عاجله و انتقل الى الرفيق الاعلى .
رحمك الله يا أعز الرجال ، رحمك الله يا أبا محمود ، أنت الذهب الطرابلسي العتيق ، الذي لم تقيل ولم تستقيل ، وما بدّل تبديلا " والى جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين .
و إنا لله و إنا اليه راجعون
أخوكم
رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان
النائب السابق أسعد هرموش
طرابلس في : 30/1/2017