«الجماعة الإسلامية» تُحضِّر لوثيقة تحاكي المستجدات

الثلاثاء 10 آذار 2020

Depositphotos_3381924_original

حماية الحراك الشعبي... ورفض للسلطة والمحاور

عمار نعمة - اللواء

ربما شكلت ظاهرة الحراك الشعبي أو الانتفاضة في 17 تشرين الأول الماضي، فرصة كبيرة لـ»الجماعة الإسلامية» لكي تعيد انبعاثها في زمن إحباط لأتباعها في التنظيم في شكل خاص وفي الطائفة السنية في شكل عام.

 


ولذلك، إنخرطت الحركة في تلك الظاهرة بكل جوارحها ودفعت بمناصريها الى الشارع في مناطق تواجدها وخاصة في طرابلس، عروس الثورة، حيث كان الحضور الملحوظ لـ»الجماعة» وللدائرين في فلكها.

 


إستثنائية اللحظة

 


وكما في كل محطة مفصلية مثل في العامين 2003 و2007، توقفت الحركة اليوم عند نقطة التحول الزمنية لكي تقدم قراءتها للوضع العام ومعها الخلاصة لمآل الأمور، هذه المرة عبر مبادرتها الى إطلاق وثيقة تحت عنوان «الحراك الشعبي ومستقبل لبنان».

 


والواقع أن إستثنائية الحراك هي ما دفعت «الجماعة» الى مبادرتها هذه، وهو دأبها في المفاصل التاريخية الهامة التي تتطلب اتخاذ الموقف المناسب في خضمها، حسب قياديين في الحركة.

 


لعل أهم ما في الأمر بالنسبة الى الحركة وغيرها من لبنانيين كثر آمنوا بتلك الإنتفاضة (لا زالت «الجماعة» تضعها في إطار الحراك الشعبي وليس الثورة ولا حتى الإنتفاضة)، كان جمع تلك الظاهرة للبنانيين كثر بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الطائفية والمناطقية.

 


وقد دفع هذا الأمر بأركان السلطة الى محاربة هذه الظاهرة إما بربطها بالخارج أو عبر تسييسها، ولكن، على الرغم من ذلك، «فقد حققت تلك الحركة الشعبية الكثير من الإنجازات».

 


لكن قيادة وقاعدة «الجماعة» تقران بأن حركة الشارع، مثل مجموعات الحراك، قد تراجعت عن زخمها السابق، ويعترف هؤلاء بـ»برودة» تطبع الحراك اليوم. ولعل السبب الأهم لهذا التراجع يتمثل في تشكيل حكومة جديدة غابت عنها الوجوه المستفزة، وساد في أوساط «الجماعة» رأي بإعطاء حكومة حسان دياب فرصة.

 


لكن هذا لا يعني أن الحكومة الجديدة جاءت كما تشتهي الحركة التي تشرع اليوم في دراسة الموقف عبر وثيقتها.

 


تمسك بالميثاقية

 


والواقع أن «الجماعة» قد تبنت منذ البدء شعار «كلن يعني كلن»، لكن ليس على سبيل الإدانة، بل تحت سقف المساءلة، وهي فلسفة خاصة بالحركة تدعو عبرها القضاء الى محاسبة كل من أساء الى المال العام ولكن من دون التعسف في إطلاق الأحكام مسبقا ما «يعطل جزءاً من طاقات الوطن، ويقفل مساحات من النقاش والحوار، وإنما خرج الناس للشوارع والساحات انتفاضاً على هكذا تعسّف، فلا ينبغي أن يصبح سمة من سمات الحراك».

 


لكن القاعدة، كما غيرها من شرائح سنية في البلاد، لم يرضها تحول الرئيس سعد الحريري الى «كبش فداء» ليستقيل وحيدا دون رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي ما يرتبط بالمسألة الميثاقية داخل البلد.

 


إلا أن هذا الامر لا يعني المطالبة بإعادة الحريري الى كرسي رئاسة الحكومة، و«الجماعة» تعلم «بخصومة الحريري ومن وراءها لها»، بل هو للإشارة الى «إحباط» سني يتعزز عبر الايام، وهو طبعا مرتبط بوضع سني عام في المنطقة من غير الممكن لسنة لبنان عدم التأثر به.

 

 

لذا، تطالب الحركة بعودة الميثاقية الى الحياة السياسية، في موازاة خارطة طريق وضعتها قبل أسابيع وضمنتها مسودة الوثيقة المطروحة حول الحراك.

 


التحديات وخارطة الطريق

 


والحال أن مسودة الوثيقة تحذر في إطار التحديات المطروحة، من مخططات إدخال لبنان في حالة من الفوضى المتدرجة أو المتدحرجة التي توصل إلى الإنهيار أو الفراغ.

 


من هنا تحذير الحراك من استدراجه الى العنف والتشديد على السلمية. كما تحذيره من تحدي الحفاظ على استقلالية قراره والحفاظ على الخطاب الوطني العام وعدم إفساح المجال للخطابات الخاصة والضيقة.

 


وفي خارطة الطريق تشديد على استمرار الحراك كأداة ضغط على الطبقة السياسية، ثم كأداة رقابة على تنفيذ التغيير واستقراره. كما تشديد على السلمية كون ممارسة العنف تؤدي إلى انفضاض عدد من المتعاطفين مع الحراك والمشاركين فيه نتيجة عدم موافقتهم على هذا الأسلوب. ذلك أن «الأحزاب المشاركة في السلطة تمتلك أدوات التعامل الخشن وتتقن التعامل العنيف، بينما أدوات الحراك غير العنفية تزيد من إرباكها في التعامل مع الحراك، بدليل أن الحراك غير العنيف أسقط حكومة العهد، وأربك تشريع قوانين أحاطت بها علامات استفهام..».

 


إنطلاقا من هنا، تطرح مسودة الوثيقة مسارا دستوريا للتغيير «من خلال المؤسسات الدستورية والمطالبة بحكومة كفاءات مصغرة تقوم بالإصلاحات المطلوبة وبتنظيم انتخابات نيابية مبكرة تسمح بإعادة تكوين السلطة ومعرفة خيار اللبنانيين من خلال صناديق الاقتراع، وفق قانون يؤمن عدالة التمثيل ونزاهة الانتخابات».

 


وثمة تأكيد على دولة المواطنة والدولة العادلة كمطلب جامع لكل اللبنانيين، «وما تشمله من أركان النزاهة كاستقلالية القضاء، ومحاربة الفساد، واستعادة التوازن المالي من خلال استعادة الأموال المنهوبة، وإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية، والعدالة والمساواة من خلال اعتماد الكفاءة بدل المحسوبية والمحاصصة، والإنماء العادل..».

 


.. وفي خارطة الطريق خطوات للإصلاح الإقتصادي والإجتماعي تطرحها الوثيقة، قبل تحديد البرنامج المأمول للإصلاح الكبير. وثمة دعوة الى مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر، عبر حكومة كفاءات مصغّرة في سبيل موازنة إصلاحية وقانون لإصلاح وقوانين لمكافحة الفساد تلحظ أولا رفع السريّة المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وجميع العاملين في الوظيفة العامة من الفئة الثانية وما فوق وعن عائلاتهم. ومن ثم إجراءات إصلاحية اقتصادية اجتماعية سريعة (سياسة مالية واقتصادية جديدة تشجع الاقتصاد الإنتاجي، وقف الهدر، إعادة هيكلة القطاع العام وترشيده، آلية تعيين الموظفين وفق الكفاءة، تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين) للسيطرة على الأزمة الاقتصادية القائمة.

 


الإعلان في مؤتمر عام

 


قدمت الحركة مسودتها الى «مجموعة من أبناء الحالة الاسلامية وجماعات في المجتمع المدني ونقابات وقضاة وإعلاميين..»، حسب المتابعين، ولم تقدمها في شكل رسمي الى الأحزاب السياسية، وذلك لوضع الملاحظات لأخذها في عين الإعتبار في مؤتمر لم تحدد الحركة موعده وإن كان منتظرا خلال أسابيع وتردد انه سيعقد خلال الشهر الحالي.

 


على أن الوثيقة جاءت عامة أحياناً، وبينما قاربت سبب الأزمات واقترحت خارطة الطريق لحلها، لم تتناول بالتفصيل بعضها وآليات الحل مثل قانون الانتخابات مثلا الذي اكتفت بالمطالبة عبره بعدالة التمثيل، علما أن قياديي الحركة يطرحون الدائرة الواحدة، ومن ثم المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية، وهو المطلب الذي يقر قياديو الجماعة بصعوبته الكبيرة.

 


في كل الأحوال، تصر الحركة على وسطيتها وترفض المحاور، الاميركية منها والايرانية مع تأييدها التام لـ»المقاومة»، «إذ من غير الممكن للبنان أن يكون مسرحا لتبادل الرسائل في إطار الصراع الإقليمي والدولي ولا أن يشكل جزءا منه»، وهي تستعمل مصطلح «التحييد» من دون أن يعني «الصراع مع العدو الصهيوني».

 


على أن الجماعة التي أفادت من الحراك القائم للعودة الى الشارع الذي تمردت شرائح كبيرة منه على الأحزاب، لن تفوّت الفرصة لاقتناص غضب هذا الشارع من السياسيين ومن الزعامة السنية الأولى في البلاد، خاصة وأن الحركة اعتبرت نفسها دوما «الأولى بين متساويين، في ظل الحديث عن حزبين أساسيين على الساحة الإسلامية السنية، رسمي هو تيار المستقبل وشعبي هو الجماعة».

http://aliwaa.com.lb/مقالات/أرشيف-المقالات/الجماعة-الإسلامية-ت-حض-ر-لوثيقة-تحاكي-المستجدات/