خطبة الجمعة للنائب الدكتور عماد الحوت في مسجد مركز الدعوة - عائشة بكار، عبر أثير إذاعة الفجر

الجمعة 8 أيلول 2017

Depositphotos_3381924_original

 

يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم
شرط ونتيجتين، الشرط هو أن يقوم المؤمنون بنصرة الدين والنتيجة الأولى أن ينصرهم الله والنتيجة الثانية أن يثبت أقدامهم في أي مواجهة.

ونصرة الله والدين لها أشكال متعددة وردت في السيرة النبوية، أقف على أربع أشكال منها:
- نصرة مصعب بن عمير لدين الله حين ارسله رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمدينة ليدعو فيها الى الإسلام وليقوم ببناء مجتمع المدينة على أسس القيم والإيمان.
- وتميّز عثمان بن عفان بنصرة الدين بالمال في كل عسرة أو شدّة، حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ما ضرَّ عثمان ما فعل من بعد".
- ونصرة عمر بن الخطاب لدين الله من خلال قيامه برفع معنويات المؤمنين المضطهدين من قريش وإظهار العزة والقوة في قول الحق وهجرته جهاراً نهاراً.
- ونصرة سعد بن الربيع للدين من خلال حسن تطبيق معنى الأخوة والمؤاخاة حين استقبل أخيه المهاجر عبد الرحمن بن عوف وعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، وكانت ردة فعل عبد الرحمن بن عوف على ذلك: بارك لك في أهلك ومالك، دلّني على السوق.

القضية الأولى: نصرة إقامة الشعائر ويوم الجمعة
ليست هذه القضية أولى أزماتنا ولا آخرها ولكنها تعبيرٌ ونموذجٌ عن طريقة التعامل مع المسلمين في هذا البلد.
لقد أرادوا بهذا التشريع توفير بدل نقل يوم عطلةٍ إضافية على خزينة الدولة ولم يهتموا أن يكون ذلك على حساب المسلمين والتزامهم بدينهم وشعائرهم.
قد يكون النواب من غير المسلمين معذورين بجهلهم، ولكن كيف يعذر النواب المسلمون من كل المذاهب حين يقدّمون الاقتصاد على الدين ولا يجتهدون في الجمع بينهما، ألم يدركوا وهم يسوّقون ويصوّتون لهذا الاقتراح أن صلاة الجمعة ستتحول تدريجياً الى عقوبة لدى الموظفين بسبب سوء تعامل وكيدية رؤسائهم معهم عند الخروج لصلاة الجمعة وما أكثر الكيدية في وزاراتنا وإداراتنا العامة،
ألم يدركوا أن هؤلاء الموظفين لن يتمكنوا من اصطحاب أولادهم الى صلاة الجمعة لتعويدهم عليها، أم أن المطلوب أن ينشأ جيلٌ لا يعرف المساجد ولا يتعلّق بها، جيلٌ منزوعٌ من هويته الإسلامية، بعيدٌ عن الالتزام بقيمها وتعاليمها وشعائرها.
ثم هل شعار رفع الانتاجية يكون بإضافة يوم عطلة، وإذا كان لا بد من إضافة هذا اليوم فلماذا لا يكون هذا اليوم يوم الجمعة احتراماً للمسلمين ومساواةً لهم بإخوانهم المسيحيين يوم الأحد.
ثم ماذا عن صلاة الظهر والعصر في باقي أيام الأسبوع وقد أصبح الدوام للثالثة والنصف، وماذا عن التجاوزات التي كانت تحصل في السابق من تعيين أوقات امتحانات الشهادات الرسمية يوم الجمعة لتمتد الى وقت الصلاة وكذلك الدروس والمحاضرات في الجامعة اللبنانية وغير ذلك من التجاوزات.
لقد كان هذا التعديل بالدوام غلطةٌ آن الأوان لتعديلها جذرياً وليس بأنصاف الحلول، وهناك مجالٌ لذلك من خلال تبني اقتراح قانون أصبح موجوداً في مجلس النواب
- ينظّم العطلة يومي الجمعة والأحد ويتيح المجال لمن شاء من الموظفين الاستفادة من عطلة السبت،
- ويتيح للموظف في الإدارات والطالب في المدارس والجامعات أداء صلواته الراتبة بظروفٍ لائقة،
- ويسمح لطلابنا في المدارس والجامعات بأداء صلاة الجمعة دون خوف من فوات محاضرة أو تغيّبٍ عن امتحان،
أيها الإخوة الكرام، لقد أصبح على كل واحدٍ منكم واجب نصرة تطبيق الشعائر الدينية، وواجب أن يتحوّل الى سفيرٍ لهذه القضية، وأن يتواصل مع نائب منطقته لإقناعه بهذه القضية أو الضغط عليه لتبنيها، وأن ينشر الوعي فيمن حوله حول حقوقنا في هذا البلد وأننا قادرون بإذن الله على المطالبة بها والوصول اليها من دون التعدي على حقوق الآخرين بل بالشراكة معهم إذا أمكن.

القضية الثانية: قضية التحقيق في خطف العسكريين الشهداء في جرود عرسال
- إن كفاءة الجيش اللبناني في أدارة معركة جرود القاع ورأس بعلبك دلّت على قدرة الدولة، حين تنظر لنفسها أنها دولة وليس إئتلاف قوى سياسية، على اتخاذ القرار ويكون جيشها قادر على تنفيذ هذا القرار بنجاحٍ يبطل أي حجةٍ لوجود أي سلاحٍ غير شرعي خارج إطار الدولة.
- ولا بد من التأكيد على أن الشهداء العسكريين المخطوفين وأهاليهم مظلومون على أكثر من صعيد وفي أكثر من مرحلة، وأن حزنهم حزنٌ لجميع اللبنانيين، وأن نصرتهم كمظلومين واجبة،
- وأن أول سبل نصرتهم هو معرفة حقيقة ما جرى من خلال تحقيقٍ شامل لا يتوقف عند ظروف اختطافهم فقط، وإنما أيضاً من خلال معرفة من منع استعادتهم أحياء، وقد تمت استعادة مجموعة من زملائهم في ذاك الوقت، ومن رفض مبادلتهم بعددٍ صغيرٍ من الموقوفين من غير المحكومين ليقوم اليوم بمبادلة جثامينهم بتأمين مئاتٍ من المقاتلين قيل لنا أنهم مسؤولون عن قتلهم ومسؤولون عن تهديد الأمن اللبناني في كل يومٍ على مدى السنوات السابقة، ومن أطلق النار على وفد هيئة علماء المسلمين وكان قد شارف على نهاية المفاوضات لاستعادة المخطوفين من العسكريين، وغير ذلك من التفاصيل في هذه القضية وغيرها كأحداث عبرا، وتحريك مخيم عين الحلوة كلما استلزم الأمر لفت النظر عن حدثٍ هنا أو حدثٍ هناك.

القضية الثالثة: ما يحدث في بورما أو ميانمار من قتلٍ للمسلمين.
ألا يلفت انتباهكم أيها الإخوة المؤمنون كيف أن العالم الغربي يكيل بمكيالين، فحين قتل خمسة من الأوروبيين على خلفية الرسوم المسيئة للرسول، وقتلهم بهذا الشكل مرفوض وغير مقبول، تداعى رؤساء الدول الى مظاهرة في باريس استنكاراً، واليوم حين يقتل عشرات الألوف بل مئات الألوف من المسلمين في بورما لا يتداعى مجلس الأمن ليفرض على حكام ذاك البلد وقف حمام الدم ثم النظر بعد ذلك بهدوء لمعالجة أصل المشكلة.
إن نصرتنا لهذه القضية يمكن أن يتخذ أشكالاً عدة، منها الإنضمام الى حملة المطالبة بسحب جائزة نوبل من رئيسة بورما، فمن لا يحمي جزءاً من شعبه لا يستحق أي تكريم، ومنها الضغط الشعبي على الحكومة اللبنانية بإقفال ممثلية بورما في لبنان الى أن تعدّل حكومة بورما من سلوكها الإجرامي تجاه المسلمين فيها، ومنها المساهمة في جمع التبرعات لدعم النازحين من مسلمي بورما الى بنغلاديش وغير ذلك من وسائل نصرتهم كثير.
ولكنني بالمقابل أحذر من أفخاخٍ قد تكون تنصب لنا من هنا أو هناك في هذه القضية وأمثالها، وأن لا نكون مساهمين في الوقوع في هذه الأفخاخ من حيث ندري أو لا ندري،
ومن ذلك ما نسمعه من دعوات مجهولة المصدر على أدوات التواصل الاجتماعي لحرق سفارة بورما، وهذا يذكّرني بما حصل عام 2005 عندما تداعى المسلمون الى تظاهرة قرب سفارة الدانمارك احتجاجاً على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلّم في صورةٍ حضارية رائعة تليق بالمسلمين وأخلاقهم، فقامت جهاتٌ مجهولةٌ معلومة بإرسال مجموعات يعلم الجميع صورها وانتماءاتها ومكان انطلاقها وطريقة وصولها لتشويه هذه التظاهرة الحضارية خدمةً لرسم صورة مقابلة أخرى،
ومن ذلك ما نسمعه أيضاً من أخبارٍ مجهولة المصدر على أدوات التواصل الإجتماعي عن وصول عددٍ من المقاتلين من دولٍ شتى لنجدة المسلمين في بورما والدعوة للفرح بذلك والتفاعل معه، وهي أخبارٌ بالمناسبة غير صحيحة ولكنها تذكرني بالتفخيخ الذي حصل للثورة السورية من خلال صناعة داعش ودعوة شباب الأمة للقتال معها ثم استخدامها لإضعاف هذه الثورة المباركة، فهل المطلوب صناعة محرقة جديدة لشبابنا وشباب هذه الأمة،
لهذا كله ينبغي أن لا نتردد في نصرة قضايانا العادلة والمحقة ولكن ينبغي في الوقت نفسه أن نقتدي بسيدنا عمر بن الخطاب حين قال: "لست بالغر وليس الغر يخدعني" فلا نسمح بأن نجر الى ساحاتٍ لا تخدم قضايانا بل تزيدها سوءاً،
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

أيها الإخوة المؤمنون،
يقول الله عز وجل في كتبه الكريم: "إلّا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تروها، وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى وكلمةَ الله هي العليا والله عزيزٌ حكيم".
فرسم الله في هذه الآيات مثلثاً
- ضلعه الأول الدين المتمثّل برسول الله صلى الله عليه وسلّم وما حاء به من وحيٍ من القرآن والسنة،
- وضلعه الثاني المؤمنون وهم أمام تحدي نصرة هذا الدين (إلا تنصروه)،
- والضلع الثالث الله عز وجل وهو ناصرٌ دينه حتماً سواء نصره المؤمنون أو تخاذلوا عنه،

فلا تحرموا أنفسكم من أن تكونوا أحد أضلاع هذا المثلث،
ولا تحرموا أنفسكم من نصرة دينكم وحقوقكم وقضايا مجتمعكم، دافعوا عنها بكل الوسائل المشروعة،
فهي حقوقٌ وقضايا منصورة عاجلاً أو آجلاً، بكم أو من دونكم وأولى لكم أن يكتب في صحائف أعمالكم نصرتها والدفاع عنها، والمطالبة بها