كلمة النائب الدكتور عماد الحوت في جلسة مجلس النواب اليوم 22-8-2017

الأربعاء 23 آب 2017

Depositphotos_3381924_original

دولة الرئيس،
أبدأ كلمتي بتوجيه التحية للجيش اللبناني الذي يقدّم التضحيات لتحرير الأرض اللبنانية من الإرهاب وإعادة الأمن للحدود، بكفاءةٍ عالية تؤكّد صوابية رهاننا على ثنائية الدولة والشعب، الدولة بمؤسساتها المختلفة والجيش على رأسها، والشعب الذي يلتف حول جيشه القادر على تأمين إجماع اللبنانيين حوله حفاظاً على السيادة الوطنية بعيداً عن رهانات المشاريع الإقليمية أو الدولية.
كما أرى من واجبي أن أؤكّد على أنني أقارب موضوع مناقشة الحكومة من زاوية أننا في سفينةٍ واحدةٍ إن لم نتناصح بصدقٍ تعرّضنا جميعاً للغرق لا سمح الله، وأنني أدرك أن في هذه الحكومة عدداً من الوزراء صادقي النية والعزيمة، استطاعوا أن يقوموا بعددٍ من الإنجازات، ولكنني أدرك ايضاً أنها ليست مسؤولية المواطن إن ظهر في حكومةٍ ائتلافيةٍ واسعةٍ كالحكومة الحالية تعارض مصالح وتغليبها بين مكوناتها، وأن دوري كنائبٍ منتخب أن أنقل تساؤلات المواطنين وهواجسهم للحكومة من خلال جلسة المناقشة.


دولة الرئيس،
عندما أراد الصينيون القدماء أن يعيشوا في أمان بنوا سور الصين العظيم، ولكن خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرّضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم يكن العدو بحاجة الى اختراق السور أو تسلّقه، بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب. لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس أو الإنسان.
لذلك أبدأ كلمتي بالحديث عن ملف الفساد في الإدارة حيث أشعر أن هناك تباطئٌ في التعامل مع هذا الملف، لذلك أطالب الحكومة بالإسراع في تنفيذ المكننة والحكومة الالكترونية وهو إجراءٌ كفيلٌ بمعالجة جزءٍ كبيرٍ من الفساد في الإدارة وإنهاء ظاهرة الجارورين وتحسين شروط خدمة المواطن.
لقد أثَرتُ في جلسة مناقشة الحكومة الماضية موضوع التعيينات التي تمت بمنطق المحاصصة وفي بعض الحالات عدم تعدد المرشّحين وعدم التوزيع المسبق للسير الذاتية، وإذا بالراي العام يتفاجأ بطرح بعض الوزراء الغاء الآلية المتبعة في التعيينات من أجل تعيين أنصارهم الذين قد لا يتمكنون من تعيينهم وفق معيار الكفاءة وتساوي الفرص بين المواطنين، الأمر الذي يجعل حظوظ الذين لا يحظون برضى زعمائهم ودعمهم معدومة، ولولا الضجة التي أثيرت حول هذا الموضوع لما تم التراجع عنه.
ثم إذا بنا نفاجأ في إحدى التعيينات بتعيين موظف من الفئة الثالثة لا يتيح له ملفه الترقية، ولم تكتمل عناصر استقالته، في درجةٍ أعلى من خارج الملاك، وأهم معايير الكفاءة لديه أنه مدير مكتب أحد الوزراء.
وبما أنني أتكلّم عن التوظيف، فلقد لفت انتباهي ملف 127 موظّف يتقاضون رواتبهم منذ 28 / 4 / 2016 أي منذ سنة وأربعة اشهر دون تأدية خدمتهم، ففي العام 2012 تم الإعلان عن مباراة لملء 208 مركز شاغر في الفئة الثالثة، وبنتيجة المباراة التي أجراها مجلس الخدمة المدنية فاز 127 مرشحاً، خضعوا لدورة في المعهد الوطني للإدارة استمرّت لغاية 28/4/2016، ثم أنجز مجلس الخدمة المدنية مرسوم التعيين في المراكز الشاغرة وأحاله للمراجع المختصّة وما زال هذا المرسوم معطّلاً حتى اليوم.
فإلى متى نبقى نُجري امتحانات خدمة مدنية ولا نقوم بتوظيف الناجحين فيها بحجة التوازن الطائفي؟ وهل التوازن الطائفي ينطبق على أناس دون آخرين فتكون حصة المسلمين السنة في بيروت كاتبي عدل من أصل 52، وهل يصح تعطيل تعيينات رجال الإطفاء والمحاسبين وغيرهم تحت نفس الشعار الطائفي، وهل سنستمر ندفع شبابنا لليأس ونحرم أصحاب الكفاءة منهم من الوظيفة خلافاً للدستور مما يولد في نفوسهم نقمة تزيد من هشاشة النسيج اللبناني.
وهل يصح تحت نفس الشعارات والممارسات الطائفية منع مخصصات قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات في لحظة الأمن فيها قضية جوهرية وقد أثبتت هذه الجهة الأمنية كفاءتها في كشف شبكات مخلّة بالأمن اللبناني.
دولة الرئيس،
لقد أقرّت الحكومة خطة طوارئ لمدّة ثلاث سنوات، ثم جعلت نفسها حبيسة خيارٍ واحد هو خيار البواخر ودعوني أنعش ذاكرة الجميع حول هذا الملف:
ففي الخامس من تشرين الأول 2011 صوّت المجلس النيابي على قانون برنامج لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية وجاء في هذا القانون مجموعة من الضوابط من بينها: تعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة أقصاها شهران، وتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال مهلة أقصاها ثلاثة اشهر، ولم يتم الالتزام بأي منها.
وتم في ذاك الوقت التفاوض على استقدام بواخر، وكادت الصفقة تمر بتكلفة 9% زيادة لولا إصرار رئيس مجلس الوزراء على معاودة المفاوضات.
واليوم يتكرر المشهد من جديد، إصرار على خيار البواخر، استدراج عرض من شركة واحدة بعيداً عن إدارة المناقصات، تحرك الرأي العام في هذا الموضوع، تحويل الملف لإدارة المناقصات التي توقفت على عيب عدم وجود أكثر من عرض والعمل على استدراك هذا العيب.
فكيف نستطيع أن نطمئن كمواطنين أنه ليس هناك تهاونٌ نتيجةً لعدم الشفافية وإجراء الصفقات في الوزارات دون العودة لإدارة المناقصات.
ولماذا الإصرار على حل البواخر وكأن البلد يغرق في العتمة وعدم اللجوء الى حلول أكثر استدامة وأقل تكلفة على المواطن وبمدى زمني يزيد أشهراً قليلة عن مدى استقدام البواخر، خاصةً وأن هناك شركات من بينها وكيلة شركة “APR Energy USA” وهي متخصصة بتأمين معامل الطاقة المؤقتة، قدّمت في وقتٍ سابق عرضاً لمدة خمس سنوات بمعامل تقام برياً لا بحرياً وبكلفة أقل بـ 35% من كلفة البواخر وهذا فيه توفير على جيوب المواطنين.
ولماذا هذا الإصرار على تجاهل تنفيذ ما ورد في القانون رقم 181 / 2011 حول الهيئة الناظمة للكهرباء ومجلس إدارة الكهرباء.
وهنا أتمنى أن لا يدفع مدير عام إدارة المناقصات ثمن حسن إدارته للملف واحتكامه الى ضميره المسؤول في وضع ملاحظاته، وأن لا تتحوّل طريقة التعامل مع رئيس مجلس شورى الدولة الى نموذج للضغط على الهيئات الرقابية الأمر الذي يستدعي استنفار المجلس النيابي والرأي العام لحماية هذه الهيئات الرقابية من أي تغوّل يفكّر فيه بعض من في السلطة التنفيذية.


دولة الرئيس،
دعي الشاعر رشيد سليم الخوري الملقب بالشاعر القروي الى حفلٍ في مناسبة المولد النبوي الشريف في البرازيل وطُلب منه أن يلقي كلمةً في الحاضرين فكان مما قال: يولد النبي على ألسنتكم في كل عامٍ مرّة، ويموت في قلوبكم وعقولكم وأفعالكم كل يومٍ ألف مرّة، ولو ولد في أرواحكم لكان العالم أندلساً عظيمة، ولالتقى الشرق بالغرب من زمنٍ طويل.
أيها المسلمون، ينسب أعداؤكم الى دينكم كل فرية، ودينكم من بهتانهم براء، ثم أنشد أبياتٍ منها:
يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم       لا يُنهِضُ الشرقَ إلا حبَنا الأخوي
أيها الزملاء الكرام،
لقد جاءت مقاربة دوام يوم الجمعة بعيدةً عن الحب الأخوي الذي ذكره الشاعر القروي، بل بعيدةً عن روح الميثاق والعيش المشترك الذي يتغنى به كل واحدٍ منكم، ودعوني أنعش ذاكرتكم بأن المسلمين كانوا قبل الإنتداب الفرنسي ينعمون بعطلة يوم الجمعة يستعدّون خلالها لأداء شعيرة صلاة الجمعة بما يليق بها من سننٍ هي من صلب الشعيرة، ثم جاء الإنتداب الفرنسي ليطبق عليهم القانون الفرنسي ولكنه احترم ولو جزئياً مشاعر المسلمين فجعل دوام يوم الجمعة حتى الساعة الحادية عشرة، وإذا بكم أيها السادة أقل احتراماً لهذه المشاعر من المستعمر الفرنسي، فأصبح على الموظف المسلم أن يذهب للصلاة على عجل وأن يعود منها على عجل، وأن يتكلّف في سبيل ذلك كلفة الذهاب والإياب، وكأنكم تريدون أن تحولوا صلاة الجمعة وهي شعيرةٌ مقدّسة لدى المسلمين الى عقوبة.
إن تمديد وقت العمل الذي تم في إطار قانون سلسلة الرتب والرواتب يشكّل انتهاكاً صارخاً للحق الدستوري للمسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية، ولقد عبّر سماحة مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عن موقف المسلمين الواضح من موضوع عطلة الجمعة، لذلك فإنني أضعكم أمام مسؤولياتكم التزاماً بما ورد في الدستور من تعظيمٍ لشعائر الله وتأديةٍ لفروض الإجلال لله تعالى وحمايةً لما تبقى من الميثاقية وما تبقى من ضمانات لحريّة إقامة الشعائر الدينية المنصوص عليها في الدستور، وأدعوكم لأن تجدوا حلاً لما أوجدتموه من إشكال فلا تكونوا أقل احتراماً من المستعمر الفرنسي لمشاعر المسلمين في هذا البلد، ولا تفرّطوا بميثاقٍ قام على أساسه لبنان وهو احترام الطوائف لحقوق بعضها البعض في كل ما يتعلّق بالممارسات الدينية، وهذا يحافظ على توازنٍ في الإحترام المتبادل، ويحفظ التوازن الذي يؤمّن الاستقرار في لبنان، والرجوع عن الخطأ فضيلة.


دولة الرئيس،
ورد في التاريخ أن الظاهر بيبرس حين أراد الخروج لمحاربة التتار في الشام فرض الضرائب على الناس لتمويل حربه، فقام له الإمام النووي رافضاً إرهاق الناس بالضرائب قبل أن يقوم الأمراء بإنفاق ثرواتهم على إدارة الدولة،
فتعالوا نستفيد من موقف فخامة رئيس الجمهورية بأن نصحح ما يطال الناس من ضرائب في قانون تمويل السلسلة، وتعالوا نستعيض عنها بإقرار قانونٍ سريعٍ عنوانه "من أين لك هذا" يطال جميع المسؤولين في الدولة وإداراتها، والتخفيف من كلفة الوفود التي تخرج للخارج عدداً وحجماً، ووقف التعاقد المفتوح زمنياً لأكثر من سنة مهما تكن الأسباب، ووضع سقف لعدد المستشارين في الوزارات والاعتماد على الكفاءات المتوفرة في الإدارة وهي كثيرة، ووقف الهدر الناتج عن ايجارات المباني الحكومية والإدارات العامة سواء لجهة اختيار مواقع أقل غلاءً أو تجميع الإدارات في مبانٍ مشتركة هي ملكٌ للدولة وغير ذلك الكثير من أبواب معالجة الهدر.
وأختم أسئلتي بسؤال الحكومة بعد أن مر على إقرار قانون الإيجارات مدة سبعة أشهر، أين أصبح حساب المساعدات للمستأجرين الذي نص القانون على انشائه خلال أربعة أشهر، وكذلك أين أصبحت اللجان التي نص على انشائها القانون خلال شهرين.
دولة الرئيس،
من أجمل اقوال المهاتما غاندي: لم أكن أرغب بتعلّم الشطرنج لسببٍ بسيط وهو أنني لا أريد أن أقتل جيشي كي يحيا الملك،
أتمنى أن يكون السياسيون في بلدي من الجاهلين في لعبة الشطرنج، وأضع أسئلتي بين يدي الحكومة ورئيسها، آملاً الحصول على أجوبةٍ عمليةٍ لها حتى نتمكن جميعاً من استعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، وشكراً.