عناصر خطبة الجمعة التي ألقاها رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية الدكتور عماد الحوت هذا الأسبوع في مسجد الحسن في عرمون

السبت 22 شباط 2020

Depositphotos_3381924_original

بعنوان: التعامل مع الأزمة على هدي منهج النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوْعِ ونَقصٍْ مِنَ الأَمْوالِ والأَنْفُسِ والثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرين * الَّذيْنَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ قَالُوا إنَّا لله وإنَّا اليْهِ رَاجِعُون * أولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٍ مِنْ رَبِّهِم وَرَحْمَة وَأولئِكَ هُمُ المُهْتَدُون}.

أولاً: قواعد عامة أساسية
١- القاعدة الأولى: لا بد من أن ندرك أن سنن الله تعالى في الكون لا تحابي أحداً. فلو نظرنا حولنا في العالم لوجدنا بلاداً مثل اليابان وبلاد الغرب وصلت لما وصلت اليه لأنها سارت وفق سنن الله تعالى ومنها:"أن للتقدم أسباباً دنيوية معروفة من أخذ بها تقدم وهي غير مرتبطة بطبيعة دين هذه البلاد"، {سُنَّةَ اللهِ التي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيْلا}.

٢- القاعدة الثانية: البعد عن الله نتيجته أن يتركنا الله لأنفسنا وينزع البركة في أعمالنا، وإذا تركنا لأنفسنا تركنا لضعفنا ونتائج أعمالنا.

ثانياً: من أسباب الأزمات الاقتصادية
١- السبب الأول: اللجوء للقروض الربوية
قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا}؛
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره الى قلّة]؛
إن واحداً من أهم أسباب الأزمة الحالية التي تمر بها بلادنا هو ابتعاد الدولة عن الاقتصاد الانتاجي واعتمادها الكامل على الاقتصاد الريعي والذي كان الجزء الأكبر منه معتمداً على القروض والفوائد.

٢-السبب الثاني: سوء الإدارة
وذلك نتيجة لإسناد الأمر الى غير أهله؛
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسٍ يحّث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ قال: فإذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة].
فالمحاباة في التعيين لأسباب حزبية، وعدم اختيار اصحاب الكفاءة من أسباب سوء الإدارة وحدوث الأزمات.
مما أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة، لا يستعمله إلا لذلك، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).

٣- السبب الثالث: الفساد والتلاعب بموارد البلاد وثرواتها
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: [فيسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً الى المغرب إذ مر بالبقيع فقال: أفٍ لك، أفٍ لك، مرتين، ثم قال: هذا قبر فلان بعثته ساعياً على بني فلان، فغلَّ نمرة فدُرِّع الآن مثلها من نار].
لن نتمكن من الخروج من أزمتنا بإدارة من هم مسؤولين عن هذه الأزمة هدراً وفساداً، وكيف يقوم بمحاسبة الفاسد من كان يمارس الفساد بنفسه، من هنا أهمية الإصرار على قضاء مستقل، ومسؤولين بعيدين عن تأثير الأحزاب التي أساءت إدارة البلد وقامت بنهبه على مدى عشرات السنين.

٤- السبب الرابع: السماح بالسوق السوداء
إن قيام سوق سوداء في ظل الأزمة يوجب على القائمين على الأمر أن يضربوا بيد من حديد لمنعها؛ فمن قواعد الفقه الإسلامي: أن الضرر يُزال، وأنه لا ضرر ولا ضرار.
ولكي يكون ذلك، لا بد من عقوبة رادعة للصيارفة ولكل من يثبت استغلاله لأزمة السيولة لتحقيق أرباح على حساب الناس ومعيشتهم.

٥- السبب الخامس: نشر الشائعات
وما أكثر الشائعات عند الأزمات لا سيما من خلال "مواقع التواصل الاجتماعي"، بدلاً من أن تكون أداة لنشر الخير الذي ينفع الناس في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع].
وقال عليه الصلاة والسلام: [رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب الكذبة تُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيُصنع به الى يوم القيامة].
وهكذا فإن نشر الخبر دون التثبت من صحته قد يزيد من توتر الناس في الأزمات ويدفعهم الى قرار أو سلوكٍ خاطئ وبالتالي من يقوم بنشر الخبر قبل التثبت منه مسؤولٌ عن ذلك أمام الله سبحانه وتعالى.

السبب السادس: عدم مصارحة المسؤول للمواطنين بالحقيقة.
ينبغي على المسؤول أن يصدق مع رعيته وقت الأزمات وغيرها، وألا يكذب عليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر اليهم ولهم عذابٌ أليم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذاب، وعائل مستكبر].
وقال عليه الصلاة والسلام: [ألا لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحقٍ إذا علمه].

ثالثاً: نموذج هجرة الصحابة من مكة الى المدينة كنموذج مشابه للأزمة الحالية
١- واقع المدينة الاقتصادي المتواضع
٢- اعتماد أهل المدينة على الزراعة وبعض الصناعات الزراعية.
٣- سيطرة يهود المدينة على التجارة والدورة الاقتصادية فيها وسوقي المدينة وقينقاع.
٤- انتشار الربا من خلال يهود المدينة الذين كانوا يعطون القروض لسادات العرب ليكسبوا بها مدائح الشعراء والسمعة الحسنة بين الناس، وكان العرب يرهنون مقابل ذلك أراضيهم وزروعهم، ثم لا يلبثون أعواماً حتى يتملكها اليهود نتيجة فوائد القروض.
٥- طبيعة المهاجرين كتجار واضطرارهم للهجرة تاركين أموالهم وممتلكاتهم.

رابعاً: المنهج النبوي في إدارة الأزمة
١- تنظيم شأن الناس وجمعهم حول عمل مؤسسي مع ربطهم بالله عز وجل.
لذلك كان أول ما قام به النبي عليه الصلاة والسلام فور وصوله للمدينة بناء المسجد كعنوان للصلة بالله عز وجل من جهة، وليتحول الى مكان اجتماع الناس وتشاورهم وتنظيم أمورهم من ناحية أخرى.
لذلك لو أحسنا الاستفادة من المساجد الموجودة بكثرة في مختلف المناطق، بالالتفاف حولها وإنشاء مجموعات عمل للتعامل مع الأزمة داخلها، فمجموعة تقوم بإحصاء الناس في منطقة المسجد وتقسيمهم بين محتاج للمساعدة وقادر عليها، ولجنة تقوم بتنظيم استلام المساعدات وتخزينها، ولجنة تقوم بتوصيل المساعدات لمستحقيها وفق أولويات متفق عليها، ولجنة تنظم تبادل المنافع المهنية بين أهل المنطقة وهكذا...

٢- الاهتمام بإحياء قيمة التكافل
وذلك من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
قال المهاجرون: [يا رسول الله، ما رأينا مثل قومٍ قدمنا عليهم أحسن مواساةٍ في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير من الأنصار، كفونا المؤونة وأشركونا في المهنة حتى خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم لهم].

٣- تقديم القدوة كمسؤول في معاشة معاناة قومه
عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: [شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين].

٤- تأمين فرص عمل من خلال بدائل صالحة
من خلال إنشاء سوق جديدة لا تبعد كثيراً عن سوق بني قينقاع، وكانت سوقاً لليهود يفرضون فيها الضرائب ويحتكرون البضاعة ويتعاملون بالربا. فاغتاظ اليهود وهاجموا سوق المسلمين وحطموها. فقام النبي صلى الله عليه وسلم بنقل السوق الى موضع سوق المدينة الرئيسي.

٥- توفير البيئة الصالحة لسوق العمل
عندما أسس النبي صلى الله عليه وسلم سوق المدينة قال للصحابة: [هذا سوقكم ، لا تتحجّروا ولا يضرب عليه الخراج].
وقام عليه الصلاة والسلام بوضع قواعد البيئة الصالحة للعمل:
- تحريم الاحتكار
- الإعفاء من الرسوم
- تحريم الغش والغرر وغيره
- توحيد المكاييل والموازين
- تحريم التعامل الربوي

ختاماً، متى دعا الواحد فينا آخر مرة لبلادنا؟
قد يكون الواحد منا مستاءٌ من الطبقة السياسية التي نهبت خيرات البلاد وأساءت إدارته حتى وصلنا الى ما نحن فيه من أزمة، ولكن الأزمة ستنتهي في يومٍ من الأيام (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وسيذهب كل من عجز عن إدارة هذه البلاد وتلاعب بمواردها لا محالة، وستبقى بلادنا وخيراتها لنا ولأولادنا من بعدنا، ومن حق بلدنا علينا أن ندعو الله أن يحفظها وينشر الخير والاستقرار في ربوعها، اللهم آمين.