نص خطبة الجمعة التي ألقاها رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية الدكتور عماد الحوت في مسجد الحسن في عرمون بعنوان:

السبت 28 كانون الأول 2019

Depositphotos_3381924_original


 (من تساوى يوماه فهو مغبون)

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام لنسترشد بقواعده فيعصمنا الله بها من الحيرة في زمن الفتن ويعيننا بها على شؤوننا وأمرنا.

ونحن في الجمعة الأخيرة لهذه السنة، لا بد من جردة حساب لها تعتمد على حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من تساوى يوماه فهو مغبون).
فالإسلام يطلب منا أن نتحلى دائماً بالطموح والتطوير والتحسين حتى لا يكون يومنا كأمسنا فنصبح من المغبونين.
ولكي يكون غدنا أفضل من يومنا، لا بد من السير على مسارين:
1. المسار فردي وهو تقوية إيماننا وعلاقتنا بالله من خلال العبادة والدعاء والتزام الحلال واجتناب الحرام.
2. المسار الجماعي من خلال تطوير مجتمعنا والسعي للنهوض به وصولاً للأمان الجسدي والاجتماعي والمعيشي.

ولقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مقومات لحياة الإنسان بقوله في الحديث الشريف: "من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فعدد من محاور التحسين ثلاثاً: الأمن في الوطن، الصحة والعيش الكريم.
إن أردنا الوصول لهذه النعم الثلاث وتحسين غدنا، فالطريق تحتاج لخمس قواعد أساسية:

القاعدة الأولى: إيمانٌ يُنتج أماناً.
ولقد عبّر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن هذه القاعدة حين سأله رجلٌ عن العلم كله، فقال له: "إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافّاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل...".
فهل يشكّل كلَّ واحدٍ منا أماناً لمن حوله، لا فرق في ذلك بين مسلمٍ وغيرَ مسلم، فنقيس أنفسنا على القدوة الصحيحة، رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمنه الناس جميعهم، المسلم فيهم وغير المسلم، على أموالهم وأعراضهم ولذلك لُقِّب من غير المسلمين بالصادق الأمين.

القاعدة الثانية: التعايش بين الناس على اساس المرحمة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
ونحن في هذه الأيام بحاجة لأعلى درجة من التضامن والتكافل الاجتماعي في ظل الأزمة المعيشية والاجتماعية التي نمر بها، فيدعم المستطيع منا المتعثر، وليقتسم الجاران وجبة الطعام فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع" وكان أول ما فعله صلى الله عليه وسلم عند وصوله للمدينة بعد بناء المسجد أن آخى بين المهاجرين والأنصار.

القاعدة الثالثة: الشعور بالانتماء للوطن.
وما يترتب على ذلك من واجب حمايته من كل مكروه، ورعايته ليكون وطناً راقياً في كل شيء، راقياً في قيمه، وراقياً في علاقات أبنائه، وراقياً في اقتصاده.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جبل أحد: "أحدٌ يحبنا ونحبه" فهل قال أحدنا لنفسه وطني يحبني وأحبه؟

القاعدة الرابعة: الشعور بالعزة
دعونا نتوقّف عن الاعتزاز بصاحب سلطان أو زعيم، ولنعتزَّ بانتمائنا لله عز وجل، فالحق لا يُعرف بالرجال وإنما يُعرف الرجال بالحق، كما إن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك".

القاعدة الخامسة: الالتفاف حول مشروع رائد.
فإلى متى تدار البلاد عشائرياً دون مشروع واضح لمستقبل أبنائنا، والى متى تستمر طبقة سياسية بالبغي علينا تحت شعار الطائفية والمذهبية أو من خلال المحاصصة والفساد. مشروعنا الرائد الذي يجب أن نستمر بالدعوة اليه يقوم على عنصري الأمانة والعدل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

إن من قواعد الإسلام الأساسية أن القوة لا تصنع بالضرورة حقاً، ولكن الحق يصنع القوة، فإبراهيم عليه السلام كان فرداً ووصفه الله بالأمة، والقواعد التي تحدثنا عنها تعيننا على أن نكون أصحاب رؤية واضحة قائمة على الحق، نتمسّك بها ونقيس عليها، لنصل لبناء الدولة العادلة، وهذا يستدعي منا:

أن ندرك أن الطائفية علة العلل في هذا البلد وهي الدافع لجميع الأحداث التي تكررت منذ الاستقلال الى اليوم، وهي الوسيلة التي يعتمد عليها الزعماء للحفاظ على زعاماتهم من خلال إحياء الطائفية والمذهبية في نفوسنا ليحرفوننا عن المطالبة بحقوقنا التي تجمعنا وتحقيق مشروعنا القائم على الأمانة والعدل للجميع. فحذار حذار أن يجرّنا بعض المستغلين الى شعورٍ بالإحباط أو المظلومية فنعزل أنفسنا ونضعف أنفسنا بأنفسنا، بل يجب أن نصر على أن نجتمع مع شركاء لنا في الوطن في خطابٍ يقوم على محاربة الفساد والتخلص من الفاسدين، كل الفاسدين، لنبني وطن يليق بأبنائنا، لا وطن السرقة والنهب وسوء إدارة طبقة سياسية متواطئة على أبناء شعبها مستغلّةً لهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة الى المدينة، هاجر والصحابة تحت أبشع ظروف الاضطهاد من هجرة الأرض والأهل والتخلي عن الأموال والممتلكات، ولكنه لم يحول هذه المظلومية الى انعزال لشريحة المؤمنين أو عدوانية تجاه الآخرين، كما يريد لنا بعض الزعماء والأحزاب، بل بادر الى تشكيل مجتمع المدينة المشترك بين المسلمين وغير المسلمين تحت عنوان الأمانة والعدل.

أن لا نستسلم لمحاولات التخويف من شبح فلتانٍ أمني قد يُعمل عليه لنسكت عن ممارساتٍ خاطئة، وأن نتحلّى بأعلى درجات ضبط النفس وعدم الانجرار الى نشر الفوضى التي يريدها المتآمرون أو لعبة الشارع التي يريدها هذا الزعيم أو ذاك ليستخدمها ورقة تفاوضٍ على موقعٍ أو منصب، بل أن نقدّم أمن الناس وحقوقهم وخياراتهم على مصلحة أي حزبٍ أو زعيم.

أن نصر على إخراج لبنان من كونه ساحةً لصراعات المحاور والمشاريع وأن نعمل على تحويله الى وطن يمتلك الرؤية للنهوض وصاحب دور في وجه المشاريع التي تتهدد المنطقة.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.