ملخص خطبة الجمعة لرئيس المكتب السياسي الدكتور عماد الحوت في كترمايا

السبت 18 أيار 2019

Depositphotos_3381924_original

الخطبة الأولى: أدب الملوك من قصة سليمان والنمل
الخطبة الثانية: الأزمة الاقتصادية وصفقة القرن

الخطبة الأولى:
رمضان مدرسة الثلاثين يوماً وهو شهر القرآن، فتعالوا نستعرضُ معاً قصةً من قصص القرآن نتعلّم منها القيم والمبادئ التي ينبغي أن تحكم حياتنا، تعالوا نستعرض قصةَ ملِكٍ إبن ملك هو سيدُنا سليمانُ ابن داوودَ عليهما السلام مع مخلوقٍ من أصغرِ مخلوقات الله سبحانه وتعالى وهي النملة.

لقد بدأت القصة بقوله تعالى (ولقد ءاتينا داودَ وسليمانَ علماً وقالا الحمدُ للهِ الذي فضَّلَنا على كثيرٍ من عبادِهِ المؤمنين) لتوضح:
- بأن عامل الفضل بين إنسان وآخر بعد الإيمان مرتبط بالعلم ووعائه العقل والحمد ووعائه القلب.
- وأنَّ الحمد لله واجب المؤمن على ما ينعم عليه وهذا ما فعله داود، وكم من نعمةٍ أنعمها الله على كل واحدٍ منا تستحق منا الحمد، نعمة الأمن، نعمة الشبع، نعمة الأولاد، نعمة السمع والبصر وغيرها من النعم الكثيرة.

المشهد الثاني في قوله عز وجل (وورِثَ سليمانُ داودَ وقالَ يا أيها الناسُ عُلّمنا منطقَ الطيرِ وأوتينا من كل شيء إنَّ هذا لهو الفضلُ المبين).
ونتعلم من هذا المشهد أهمية التحديثُ بالنعمة ونسبتُها لأهلها، حيث قام سليمان بذكر نعم الله عليه من تعلم منطق الطير وغيره أمام الناس وذلك ليس تكبّراً واستعلاءً عليهم وإنما لنسبة هذا الفضل الى الله عز وجل وليشجع قومَهُ على حمده والإعتراف بفضله كما فعل.
ونفس المشهد يتكرر في قصة سيدنا موسى بعد أن سقى للفتاتين وأسند ظهره للحائط فقال (ربي إن لما أنزلت اليَّ من خيرٍ فقير).

المشهد الثالث في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يأيها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، ليؤشر الى:
- أهمية الفرد في المجتمع حين يشعر بالمسؤولية ويقوم بالمبادرة، فنملةٌ مجهولةٌ شعرت بمسؤوليتِها تجاهَ قومِها حين رأت جيشَ سليمانَ مقبلٌ على الوادي فبادرت الى تحذيرهم وإنقاذهم، وكذلك واجب كل واحدٍ فينا في مجتمعه أن يبادر الى التحذير من كل آفةٍ أو خطرٍ مقبل وأن يطرح الحلول ويسعى للمخارج.
- والى أن حسن الظن أصلٌ في التعامل وهو جزءٌ من القيم التي تحكم تفكير المؤمن فلم تفقد النملة توازن تفكيرها أمام المحنة وإنما حافظت على حسن الظن والتماس العذر حتى يثبت العكس (لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعُرون).
- وتقديم المصلحة العامة على الاعتبارات الخاصة والمحسوبيات حيث أن النملة عمّمت في التحذير على جميع النمل ولم تخصَ به قريبٌ أو صديق، وهكذا المسلم دوماً وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأنه كالمطر أينما وقع نفع، وبالتالي فهو لا يختار الأرض التي يقع عليها ولكنه على أي أرضٍ وقع حاول أن يعيد الحياة لها.

أما المشهد الرابع فيتمثل بموقفِ سليمانَ (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
- فنرى ردة فعل سليمان وهو الملك ابن الملك وصاحب القوة على قول النملة بأنه طمأنها بابتسامة منه وهذا طبع المؤمن يحرص على أن يكسب القلوب بابتسامته والقول الطيب والتواضع والتودد للناس.
- بر الوالدين (وأوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي): حيث تذكر سليمان والديه وهو يحمد ربه على ما أنعم عليه، فقام بحمده نيابةً عنهما ليكتب لهما أجر الحمد وهما أموات، وهكذا واجب كل واحدً منا أن يفعل تجاه والديه فيذكرهما في كل دعاء يدعوه لنفسه، وفي كل حمدٍ يحمده لله، وفي كل خيرٍ يطلبه أو يفعله، كيف لا وهما أصل وجوده، وهما من أوصى الله بهما في أكثر من موضع.
- تسخير القوة لما فيه صلاح ورضا لله (وأن أعملَ صالحاً ترضاه)، فالقوة إذا كانت في خدمة الحق كانت عدلاً وإذا كانت في خدمة الباطل كانت ظلما من هنا كان موقف ابنة شعيب حين قالت لأبيها يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين فقرنت في المديح بين القوة والأمانة.
- حب الانتماء للصالحين: (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)، فالمرء يحشر مع من يحب يوم القيامة، وقد صور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يختار كلٌ منا من يصاحب، فذكر حامل المسك صاحب الإيمان والأخلاق والقيم لا بد أن ينالك من عطره شيء، ونافخ الكير البعيد عن كل ذلك فلا بد أن يصيبك من ناره شرر.
إننا وفي على أبواب النصف الثاني من شهر رمضان، لا بد لنا أن نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس من طال عمُرُهُ وحسُنَ عملُه، وشر الناس من طال عمره وساء عمله".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية:
نعيش في أيامنا هذه أزمات متعددة وتحديات كبرى،
أذكر منها على المستوى المحلي الأزمة الاقتصادية التي أوصلتنا اليها سوء الإدارة لسنواتٍ طويلة والتعامل مع البلد على سبيل المحاصصة دون اعتبار لمصلحة المواطن ومستقبله، وأصبحنا نتكلم عن موازنة تقشفية، وهي فعلاً أصبحت ضرورة ولكن ينبغي أن لا تكون على حساب الطبقة الوسطى وأصحاب الدخل المحدود، وإنما ينبغي أن تركز على مصادر الهدر والفساد من اعفاءات جمركية، ومعابر غير مضبوطة وأملاك بحرية معتدى عليها وغيرها من أبواب التعدي على الدولة ومصادرها المالية.
إن هذه الأزمة تستدعي منا أمرين أساسيين:
1- أن نتابع جهود الحكومة والمسؤولين في إصدار الميزانية في إدارة شؤون البلاد لنتأكد أنها تسير في المسار الصحيح والمطلوب للإصلاح الحقيقي، فنطبّق القاعدة التي أرساها ابو بكرٍ الصديق رضي الله عنه (أطيعوني ما أطعت الله فيكم).
2- وزيادة روح التكافل بيننا وتطبيق معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن من بات شبعانَ وجاره جائع).

أما التحدي الآخر الذي يتهددنا بتداعياته المختلفة فهو المؤامرة على الأمة من خلال ما يسمى "صفقة القرن" أو بيع فلسطين وإعادة تقسيم الأمة ومحاولة استعبادها من جديد، وهو ما ينبغي أن نحصن أنفسنا من الخضوع له أو القبول باستسلام البعض من خلال عمليات تطبيعٍ هنا أو هناك، أو تساهلٍ بفلسطين وهي الوقف في رقبة المسلمين، وعلينا أن نتذكر أننا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وعدنا ربنا بالخيرية الى يوم القيامة (الخير بي وبأمتي الى يوم القيامة)، وبأننا سنعلو على عدونا ونتخطى جميع المؤامرات التي تحاك لنا (... فإذا جاءَ وعدُ الآخرة ليسُئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرةٍ وليُتبّروا ما علوا تتبيرا)،
وتحقيق هذا الوعد يستدعي منا أن نوطّن أنفسنا ونربي أبناءنا على أن وعد الله متحققٌ بأن النصر لهذه الأمة وإن طال الزمن، وأن نترجم هذا اليقين بالأخذ بأسباب هذا النصر من تثبيت أهل القدس وغزة وسائر فلسطين في أرضهم من خلال تبرعاتنا حتى يأتي أوان النصر إن شاء الله.